كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 15)

وَلَدًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ، كَالْخَلْقِ الَّذِينَ تَغْلِبُهُمُ الشَّهَوَاتُ، وَتَضْطَرُهُمُ اللَّذَّاتُ إِلَى جِمَاعِ الْإِنَاثِ، وَلَا وَلَدٌ يَحْدُثُ إِلَّا مِنْ أُنْثَى، وَاللَّهُ يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يَكُونَ كَخَلْقِهِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ ابْنِ أَحْمَرَ:
فِي رَأْسِ خَلْقَاءَ مِنْ عَنْقَاءَ مُشْرِفَةٍ ... مَا يَنْبَغِي دُونَهَا سَهْلٌ وَلَا جَبَلُ
يَعْنِي: لَا يَصْلُحُ وَلَا يَكُونُ. {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} يَقُولُ: مَا جَمِيعُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَفِي الْأَرْضِ مِنَ الْبَشَرِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ {إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] يَقُولُ: إِلَّا يَأْتِي رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدًا لَهُ، ذَلِيلًا خَاضِعًا، مُقِرًّا لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، لَا نَسَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. وَقَوْلُهُ: {آتِي الرَّحْمَنِ} [مريم: 93] إِنَّمَا هُوَ فَاعِلٌ مِنْ أَتَيْتُهُ، فَأَنَا آتِيهِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 95] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَقَدْ أَحْصَى الرَّحْمَنُ خَلْقَهُ كُلَّهُمْ، وَعَدَّهُمْ عَدًّا، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَبْلَغُ جَمِيعِهِمْ، وَعَرَفَ عَدَدَهُمْ فَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ. {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 95] يَقُولُ: وَجَمِيعُ خَلْقِهِ سَوْفَ يَرِدُ عَلَيْهِ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ وَحِيدًا لَا نَاصِرَ لَهُ مِنَ اللَّهِ، وَلَا دَافِعَ عَنْهُ، فَيَقْضِي اللَّهُ فِيهِ مَا هُوَ قَاضٍ، وَيَصْنَعُ بِهِ مَا هُوَ صَانِعٌ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا -[642]- لُدًّا} [مريم: 97] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَصَدَّقُوا بِمَا جَاءَهُمْ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، فَعَمِلُوا بِهِ، فَأَحَلُّوا حَلَالَهُ، وَحَرَّمُوا حَرَامَهُ {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96] فِي الدُّنْيَا، فِي صُدُورِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ

الصفحة 641