كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 15)

اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {كِسَفًا} [الإسراء: 92] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ بِسُكُونِ السِّينِ، بِمَعْنِى: (أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسْفًا) ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكِسَفَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: جَمْعُ كِسْفَةٍ، وَهُوَ جَمْعُ الْكَثِيرِ مِنَ الْعَدَدِ لِلْجِنْسِ، كَمَا تُجْمَعُ السِّدْرَةُ بِسِدْرٍ، وَالتَّمْرَةُ بِتَمْرٍ، فَحُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: أَعْطِنِي كِسْفَةً مِنْ هَذَا الثَّوْبِ: أَيْ قِطْعَةً مِنْهُ، يُقَالُ مِنْهُ: جَاءَنَا بِثَرِيدٍ كِسَفٍ: أَيْ قِطَعِ خُبْزٍ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ «كِسْفًا» بِسُكُونِ السِّينِ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ الْمَصْدَرُ مِنْ كَسَفَ. فَأَمَّا الْكَسْفُ بِفَتْحِ السِّينِ، فَإِنَّهُ جَمْعُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرِ، يُقَالُ: كِسْفَةٌ وَاحِدَةٌ، وَثَلَاثُ كِسَفٍ، وَكَذَلِكَ إِلَى الْعَشْرِ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ {كِسْفًا} [الإسراء: 92] بِفَتْحِ السِّينِ بِمَعْنَى: جَمْعِ الْكِسْفَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرِ، يَعْنِي بِذَلِكَ قِطَعًا: مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِسُكُونِ السِّينِ، لِأَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، لَمْ يَقْصِدُوا فِي مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِحَدٍّ مَعْلُومٍ مِنَ الْقِطَعِ، إِنَّمَا سَأَلُوا أَنْ يُسْقِطَ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ قِطَعًا، وَبِذَلِكَ جَاءَ التَّأْوِيلُ أَيْضًا عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ

الصفحة 80