كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 15)
ذَكَرْتُ أَنَّا نَفْعَلُ بِهِمْ مِنْ حَشْرِهِمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا، وَإِصْلَائِنَا إِيَّاهُمُ النَّارَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ حَالَتِهِمْ فِيهَا ثَوَابَهُمْ بِكُفْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِآيَاتِنَا، يَعْنِي بِأَدِلَّتِهِ وَحُجَجِهِ، وَهُمْ رُسُلُهُ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَتِهِ وَإِفْرَادِهِمْ إِيَّاهُ بِالْأُلُوهَةِ دُونَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، وَبِقَوْلِهِمْ إِذَا أُمِرُوا بِالْإِيمَانِ بِالْمِيعَادِ، وَبِثَوَابِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ فِي الْآخِرَةِ {أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا} [الإسراء: 49] بَالِيَةً {وَرُفَاتًا} [الإسراء: 49] قَدْ صِرْنَا تُرَابًا {أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} يَقُولُونَ: نَبْعَثُ بَعْدَ ذَلِكَ خَلْقًا جَدِيدًا كَمَا ابْتَدَأْنَاهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي الدُّنْيَا اسْتِنْكَارًا مِنْهُمْ لِذَلِكَ، وَاسْتِعْظَامًا وَتَعَجُّبًا مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْ لَمْ يَنْظُرْ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} بِعُيونِ قُلُوبِهِمْ، فَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَابْتَدَعَهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، وَأَقَامَهَا بِقُدْرَتِهِ، قَادِرٌ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ أَشْكَالَهُمْ وَأَمْثَالَهُمْ مِنَ الْخَلْقِ بَعْدَ فَنَائِهِمْ، وَقَبْلَ ذَلِكَ وَأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إِعَادَتُهُمْ خَلْقًا جَدِيدًا، بَعْدَ أَنْ يَصِيرُوا عِظَامًا وَرُفَاتًا
§وَقَوْلُهُ {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ} [الإسراء: 99] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلَ اللَّهُ -[98]- لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَجَلًا لِهَلَاكِهِمْ، وَوَقْتًا لِعَذَابِهِمْ لَا رَيْبَ فِيهِ. يَقُولُ: لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ آتِيهِمْ ذَلِكَ الْأَجَلُ. {فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا} [الإسراء: 99] يَقُولُ: فَأَبَى الْكَافِرُونَ إِلَّا جُحُودًا بِحَقِيقَةِ وَعِيدِهِ الَّذِي أَوْعَدَهُمْ وَتَكْذِيبًا بِهِ
الصفحة 97