كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 16)

وَأَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا: {لَا تَخَافُ} [طه: 77] عَلَى وَجْهِ الرَّفْعِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْصَحُ اللُّغَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى جَائِزَةً. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {لَا تَخَافُ دَرَكًا} [طه: 77] اضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا لَا تَخَافُ فِيهِ دَرَكًا، قَالَ: وَحُذِفَ فِيهِ، كَمَا تَقُولُ: زَيْدٌ أَكْرَمْتُ، وَأَنْتَ تُرِيدُ: أَكْرَمْتُهُ، وَكَمَا تَقُولُ: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] أَيْ لَا تُجْزَى فِيهِ. وَأَمَّا نَحْوِيُّو الْكُوفَةِ فَإِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ حَذْفَ فِيهِ إِلَّا فِي الْمَوَاقِيتِ، لِأَنَّهُ يَصْلُحُ فِيهَا أَنْ يُقَالَ: قُمْتُ الْيَوْمَ وَفِي الْيَوْمِ، وَلَا يُجِيزُونَ ذَلِكَ فِي الْأَسْمَاءِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه: 79] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَسَرَى مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنْ أَسْرِ بِهِمْ، فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ حِينَ قَطَعُوا الْبَحْرَ، فَغِشِيَ فِرْعَوْنَ وَجُنْدَهُ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ، فَغَرِقُوا جَمِيعًا
{§وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه: 79] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَجَاوَزَ فِرْعَوْنُ بِقَوْمِهِ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَأَخَذَ بِهِمْ عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سَلَكَ بِهِمْ طَرِيقَ أَهْلِ النَّارِ، بِأَمْرِهِمْ بِالْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبِ -[124]- رُسُلِهِ {وَمَا هَدَى} [طه: 79] يَقُولُ: وَمَا سَلَكَ بِهِمُ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ مُوسَى، وَالتَّصْدِيقِ بِهِ، فَأَطَاعُوهُ، فَلَمْ يَهْدِهِمْ بِأَمْرِهِ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَهْتَدُوا بِاتِّبَاعِهِمْ إِيَّاهُ

الصفحة 123