كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 16)

مَا فِي انْجِذَابِ سَيْرِهِ مِنْ أَمْتِ
يَعْنِي: مِنْ وَهَنٍ وَضَعْفٍ، فَالْوَاجِبُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْأَمْتِ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ أَصَوْبَ الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِهِ: وَلَا ارْتِفَاعَ وَلَا انْخِفَاضَ، لِأَنَّ الِانْخِفَاضَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا عَنِ ارْتِفَاعٍ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: لَا تَرَى فِيهَا مَيْلًا عَنِ الِاسْتِوَاءِ، وَلَا ارْتِفَاعًا، وَلَا انْخِفَاضًا، وَلَكِنَّهَا مُسْتَوِيَةٌ مَلْسَاءُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {قَاعًا صَفْصَفًا} [طه: 106]
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه: 108] . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُ النَّاسُ صَوْتَ دَاعِي اللَّهِ الَّذِي يَدْعُوهُمْ إِلَى مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، فَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ {لَا عِوَجَ لَهُ} [طه: 108] يَقُولُ: لَا عِوَجَ لَهُمْ عَنْهُ وَلَا انْحِرَافٍ، وَلَكِنَّهُمْ سِرَاعًا إِلَيْهِ يَنْحَشِرُونَ. وَقِيلَ: لَا عِوَجَ لَهُ، وَالْمَعْنَى: لَا عِوَجَ لَهُمْ عَنْهُ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْوِجُونَ لَهُ وَلَا عَنْهُ. وَلَكِنَّهُمْ يَؤُّمُونَهُ وَيَأْتُونَهُ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: دَعَانِي فُلَانٌ دَعْوَةً لَا عِوَجَ لِي عَنْهَا: أَيْ لَا أُعْوِجُ عَنْهَا
§وَقَوْلُهُ {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} [طه: 108] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَسَكَنَتْ أَصْوَاتُ الْخَلَائِقِ لِلرَّحْمَنِ فَوَصَفَ الْأَصْوَاتَ بِالْخُشُوعِ. وَالْمَعْنَى لِأَهْلِهَا إِنَّهُمْ خُضَّعٌ جَمِيعُهُمْ لِرَبِّهِمْ، فَلَا تَسْمَعُ لِنَاطِقٍ مِنْهُمْ مَنْطِقًا إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ
كَمَا: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ -[168]- عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {§وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} [طه: 108] يَقُولُ: سَكَنَتْ

الصفحة 167