كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 16)
السِّرِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْكَلَامِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ مَا تَأَوَّلَهُ ابْنُ زَيْدٍ، لَكَانَ الْكَلَامُ: وَأَخْفَى اللَّهُ سِرَّهُ، لِأَنَّ أَخْفَى: فَعْلٌ وَاقِعٌ مٌتَعَدٍّ، إِذْ كَانَ بِمَعْنَى فَعَلَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَفِي انْفِرَادِ أَخْفَى مِنْ مَفْعُولِهِ، وَالَّذِي يَعْمَلُ فِيهِ لَوْ كَانَ بِمَعْنَى فَعَلَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى أَفْعَلَ، وَأَنَّ تَأْوِيلَ الْكَلَامِ: فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى مِنْهُ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيلُهُ، فَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي مَعْنَى أَخْفَى مِنَ السِّرِّ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَا عِلْمُ اللَّهِ مِمَّا أَخْفَى عَنِ الْعِبَادِ، وَلَمْ يَعْلَمُوهُ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ وَلَمَّا يَكُنْ، لِأَنَّ مَا ظَهَرَ وَكَانَ فَغَيْرُ سِرٍّ، وَأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ غَيْرُ كَائِنٍ فَلَا شَيْءَ، وَأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ كَائِنٌ فَهُوَ أَخْفَى مِنَ السِّرِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَنْ أَعْلَمَهُ ذَلِكَ مِنْ عِبَادِهِ
§وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة: 255] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: الْمَعْبُودُ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ. يَقُولُ: فَإِيَّاهُ فَاعَبْدوا أَيُّهَا النَّاسُ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لِمَعْبُودُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، فَقَالَ: الْحُسْنَى، فَوَحَّدَ، وَهُوَ نَعْتٌ لِلْأَسْمَاءِ، وَلَمْ يَقُلِ الْأَحَاسِنُ، لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ تَقَعُ عَلَيْهَا هَذِهِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ أَسْمَاءٌ، وَهَذِهِ فِي لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر البسيط]
وَسَوْفَ يُعْقِبُنِيهِ إِنْ ظَفِرْتُ بِهِ ... رَبٌّ غَفُورٌ وَبِيضٌ ذَاتُ أَطْهَارِ
فَوَحَّدَ ذَاتُ، وَهُوَ نَعْتٌ لِلْبِيضِ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا هَذِهِ، كَمَا
الصفحة 17