كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 16)

{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] . وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِي فَإِنَّكَ إِذَا أَقَمْتَهَا ذَكَرْتَنِي
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {§أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] قَالَ: إِذَا صَلَّى ذَكَرَ رَبَّهُ
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {§وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] قَالَ: إِذَا ذَكَرَ عَبَدَ رَبَّهُ قَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ حِينَ تَذْكُرُهَا
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: {§وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] قَالَ: يُصَلِّيَهَا حِينَ يَذْكُرُهَا
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثني عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثني يُونُسُ وَمَالِكُ بْنُ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا -[33]- إِذَا ذَكَرَهَا، قَالَ اللَّهُ: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقْرَؤُهَا: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] بِمَنْزِلَةِ فِعْلِي قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِتَذْكُرَنِي فِيهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعْنَيَيْهِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ: حِينَ تَذْكُرُهَا، لَكَانَ التَّنْزِيلُ: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِكَهَا. وَفِي قَوْلِهِ: {لِذِكْرِي} [طه: 14] دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنِ الزُّهْرِيِّ قِرَاءَةً مُسْتَفِيضَةً فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، كَانَ صَحِيحًا تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى: أَقِمِ الصَّلَاةَ حِينَ تَذْكُرُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الزُّهْرِيَّ وَجَّهَ بِقِرَاءَتِهِ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] بِالْأَلِفِ لَا بِالْإِضَافَةِ، إِلَى أَقِمْ لِذِكْرَاهَا، لِأَنَّ الْهَاءَ وَالْأَلِفَ حُذِفَتَا، وَهُمَا مُرَادَتَانِ فِي الْكَلَامِ لِيُوَفَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ رُءُوسِ الْآيَاتِ، إِذْ كَانَتْ بِالْأَلِفِ وَالْفَتْحِ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ فِي قِرَاءَةِ الزُّهْرِيِّ هَذِهِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْهُ، إِنَّمَا قَصَدَ الزُّهْرِيُّ بِفَتْحِهَا تَصْيِيرَهُ الْإِضَافَةَ أَلِفًا لِلتَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُءُوسِ الْآيَاتِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، لِأَنَّهُ خَالَفَ بِقِرَاءَتِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَنْ قَرَأَهُ بِالْإِضَافَةِ، وَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الوافر]
أُطَوِّفُ مَا أُطَوِّفُ ثُمَّ آوِي ... إِلَى أُمَّا وَيُرْوِينِي النَّقِيعُ
وَهُوَ يُرِيدُ: إِلَى أُمِّي، وَكَقَوْلِ الْعَرَبِ: يَا أَبَا وَأُمَّا، وَهِيَ تُرِيدُ: يَا أَبِي وَأُمِّي، -[34]- كَانَ لَهُ بِذَلِكَ مَقَالٌ

الصفحة 32