كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 16)
§وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [الحج: 60] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَذُو عَفْو , وَصَفْحٍ لِمَنِ انْتَصَرَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ مِنْ بَعْدِ مَا ظَلَمَهُ الظَّالِمُ بِحَقٍّ، غَفُورٌ لِمَا فَعَلَ بِبَادِئِهِ بِالظُّلْمِ مِثْلَ الَّذِي فَعَلَ بِهِ , غَيْرُ مُعَاقِبِهِ عَلَيْهِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحج: 61] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {ذَلِكَ} [البقرة: 2] هَذَا النَّصْرُ الَّذِي أَنْصُرُهُ عَلَى مَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ عَلَى الْبَاغِي، لِأَنِّي الْقَادِرُ عَلَى مَا أَشَاءُ. فَمِنْ قُدْرَتِهِ أَنَّ اللَّهَ {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} [الحج: 61] يَقُولُ: يُدْخِلُ مَا يَنْقُصُ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ فِي سَاعَاتِ النَّهَارِ، فَمَا نَقَصَ مِنْ هَذَا زَادَ فِي هَذَا {وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحج: 61] وَيُدْخِلُ مَا انْتَقَصَ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ، فَمَا نَقَصَ مِنْ طُولِ هَذَا زَادَ فِي طُولِ هَذَا، وَبِالْقُدْرَةِ الَّتِي يَفْعَلُ ذَلِكَ يَنْصُرُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ عَلَى الَّذِينَ بَغَوْا عَلَيْهِمْ , فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. يَقُولُ: وَفَعَلَ ذَلِكَ أَيْضًا بِأَنَّهُ ذُو سَمْعٍ لِمَا يَقُولُونَ مِنْ قَوْلٍ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ، لَا يَغِيبُ عَنْهُ مِنْهُ شَيْءٌ، كُلُّ ذَلِكَ مَعَهُ بِمَرْأًى وَمَسْمَعٍ، وَهُوَ الْحَافِظُ لِكُلِّ ذَلِكَ، حَتَّى يُجَازِي جَمِيعَهُمْ عَلَى مَا قَالُوا وَعَمِلُوا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍجَزَاءَهُ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج: 62]-[622]- يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ {ذَلِكَ} [البقرة: 2] هَذَا الْفِعْلَ الَّذِي فَعَلْتُ مِنْ إِيلَاجِي اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ , وَإِيلَاجِي النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ؛ لِأَنِّي أَنَا الْحَقُّ الَّذِي لَا مِثْلَ لِي , وَلَا شَرِيكَ , وَلَا نِدَّ، وَأَنَّ الَّذِي يَدْعُوهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ إِلَهًا مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى صَنْعَةِ شَيْءٍ، بَلْ هُوَ الْمَصْنُوعُ , يَقُولُ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَتَتْرُكُونَ أَيُّهَا الْجُهَّالُ عِبَادَةَ مَنْ مِنْهُ النَّفْعُ , وَبِيَدِهِ الضُّرُّ , وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ , وَكُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ، وَتَعْبُدُونَ الْبَاطِلَ الَّذِي لَا تَنْفَعُكُمْ عِبَادَتُهُ.
الصفحة 621