كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 17)

مَا حَدَّثَنِي بِهِ عَلِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، §قَوْلُهُ: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 89] يَقُولُ: «تُكَذِّبُونَ» وَقَدْ بَيَّنْتُ فِيمَا مَضَى السِّحْرَ: أَنَّهُ تَخْيِيلُ الشَّيْءِ إِلَى النَّاظِرِ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ مِنْ هَيْئَتِهِ، فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 89] إِنَّمَا مَعْنَاهُ: فَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ يُخَيَّلُ إِلَيْكُمُ الْكَذِبُ حَقًّا , وَالْفَاسِدُ صَحِيحًا، فَتُصْرَفُونَ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ الَّذِي يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ رَسُولُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: 91] يَقُولُ: مَا الْأَمْرُ كَمَا يَزْعُمُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ وَأَنَّ الْآلِهَةَ وَالْأَصْنَامَ آلِهَةٌ دُونَ اللَّهِ. {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ} [المؤمنون: 90] الْيَقِينِ، وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي ابْتَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ الْإِسْلَامُ، وَلَا يُعْبَدُ شَيْءٌ سِوَى اللَّهِ لِأَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ. {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: 28] يَقُولُ: وَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَكَاذِبُونَ فِيمَا يُضِيفُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَنْحِلُونَهُ مِنَ الْوَلَدِ وَالشَّرِيكِ
§وَقَوْلُهُ: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون: 91] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا لِلَّهِ مِنْ وَلَدٍ، وَلَا كَانَ مَعَهُ فِي الْقَدِيمِ , وَلَا حِينَ ابْتَدَعَ الْأَشْيَاءَ مَنْ تَصْلُحُ عِبَادَتُهُ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ -[102]- فِي الْقَدِيمِ , أَوْ عِنْدَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ تَصْلُحُ عِبَادَتُهُ {مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ} [المؤمنون: 91] يَقُولُ: إِذًا لَاعْتَزَلَ كُلُّ إِلَهٍ مِنْهُمْ {بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون: 91] مِنْ شَيْءٍ، فَانْفَرَدَ بِهِ، وَلَتَغَالَبُوا، فَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَغَلَبَ الْقَوِيُّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ؛ لِأَنَّ الْقَوِيَّ لَا يَرْضَى أَنْ يَعْلُوَهُ ضَعِيفٌ، وَالضَّعِيفَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا. فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَبْلَغَهَا مِنْ حُجَّةٍ وَأَوْجَزَهَا لِمَنْ عَقِلَ وَتَدَبَّرَ وَقَوْلُهُ: {إِذًا لَذَهَبَ} [المؤمنون: 91] جَوَابٌ لِمَحْذُوفٍ، وَهُوَ: لَوْ كَانَ مَعَهُ إِلَهٌ إِذَنْ لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ؛ اجْتُزِئَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ عَنْهُ

الصفحة 101