كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 17)

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {§حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99] «يَعْنِي أَهْلَ الشِّرْكِ» وَقِيلَ: {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99] ، فَابْتَدَأَ الْكَلَامَ بِخِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ قِيلَ: {ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99] ، فَصَارَ إِلَى خِطَابِ الْجَمَاعَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَاحِدٌ. وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْقَوْمِ الرَّدَّ إِلَى الدُّنْيَا إِنَّمَا كَانَتْ مِنْهُمْ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَقْبِضُونَ رُوحَهُمْ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ. وَإِنَّمَا ابْتُدِئَ الْكَلَامُ بِخِطَابِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، لِأَنَّهُمُ اسْتَغَاثُوا بِهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى مَسْأَلَةِ الْمَلَائِكَةِ الرُّجُوعَ وَالرَّدَ إِلَى الدُّنْيَا. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِمَّا جَرَى عَلَى وَصْفِ اللَّهِ نَفْسَهُ مِنْ قَوْلِهِ: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} [مريم: 9] فِي غَيْرِ مَكَانٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَجَرَى هَذَا عَلَى ذَاكَ
§وَقَوْلُهُ: {كَلَّا} [النساء: 130] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ هَذَا الْمُشْرِكُ؛ لَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَنْ يُعَادَ إِلَيْهَا
{§إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون: 100] يَقُولُ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99] كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا؛ يَقُولُ: هَذَا الْمُشْرِكُ هُوَ قَائِلُهَا
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {§-[109]- كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون: 100] «لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَقُولَهَا» {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ} [المؤمنون: 100] يَقُولُ: «وَمِنْ أَمَامِهِمْ حَاجِزٌ يَحْجُزَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرُّجُوعِ» ، يَعْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ؛ وَالْبَرْزَخُ وَالْحَاجِزُ وَالْمُهْلَةُ مُتَقَارِبَاتٌ فِي الْمَعْنَى وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ

الصفحة 108