كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 17)

قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: وَثَنِي عَبْدَةُ الْمَرْوَزِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عُمَرُ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ، زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: " بَلَغَنِي أَوْ ذُكِرَ لِي، §أَنَّ أَهْلَ النَّارِ اسْتَغَاثُوا بِالْخَزَنَةِ، ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ فَرَدُّوا عَلَيْهِمْ مَا قَالَ اللَّهُ؛ فَلَمَّا أَيِسُوا نَادَوْا: يَا مَالِكُ وَهُوَ عَلَيْهِمْ، وَلَهُ مَجْلِسٌ فِي وَسَطِهَا، وَجُسُورٌ تَمُرُّ عَلَيْهَا مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَهُوَ يَرَى أَقْصَاهَا كَمَا يَرَى أَدْنَاهَا فَقَالُوا: يَا مَالِكُ، لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ سَأَلُوا الْمَوْتَ. فَمَكَثَ لَا يُجِيبُهُمْ ثَمَانِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِنْ سِنِيِّ الْآخِرَةِ، أَوْ كَمَا قَالَ، ثُمَّ انْحَطَّ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77] فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ، قَالُوا: فَاصْبِرُوا، فَلَعَلَّ الصَّبْرَ يَنْفَعُنَا كَمَا صَبَرَ أَهْلُ الدُّنْيَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ قَالَ: فَصَبَرُوا، فَطَالَ صَبْرُهُمْ، فَنَادَوْا: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصِ} [إبراهيم: 21] أَيْ: مَنْجًى، فَقَامَ إِبْلِيسُ عِنْدَ ذَلِكَ فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [إبراهيم: 22] ، فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَتَهُمْ، مَقَتُوا أَنْفُسَهُمْ قَالَ: فَنُودُوا: {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا.} [غافر: 11] الْآيَةَ قَالَ: فَيُجِيبُهُمُ اللَّهُ فِيهَا: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ -[120]- وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: 12] . قَالَ: فَيَقُولُونَ: مَا أَيِسْنَا بَعْدُ قَالَ: ثُمَّ دَعَوْا مَرَّةً أُخْرَى، فَيَقُولُونَ: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12] قَالَ: فَيَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13] يَقُولُ الرَّبُّ: لَوْ شِئْتُ لَهَدَيْتُ النَّاسَ جَمِيعًا , فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ أحَدٌ {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [السجدة: 13] يَقُولُ: بِمَا تَرَكْتُمْ أَنْ تَعْمَلُوا لِيَوْمِكُمْ هَذَا، {إِنَّا نَسِينَاكُمْ} [السجدة: 14] أَيْ: تَرَكْنَاكُمْ، {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [السجدة: 14] قَالَ: فَيَقُولُونَ: مَا أَيِسْنَا بَعْدُ قَالَ: فَيَدْعُونَ مَرَّةً أُخْرَى: {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} [إبراهيم: 44] قَالَ: فَيُقَالُ لَهُمْ: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [إبراهيم: 44] الْآيَةَ قَالَ: فَيَقُولُونَ: مَا أَيِسْنَا بَعْدُ ثُمَّ قَالُوا مَرَّةً أُخْرَى: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37] قَالَ: فَيَقُولُ: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ.} [فاطر: 37] إِلَى: {نَصِيرٍ} [فاطر: 37] . ثُمَّ مَكَثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نَادَاهُمْ: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [المؤمنون: 105] فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ، قَالُوا: الْآنَ يَرْحَمُنَا فَقَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون: 106] أَيِ الْكِتَابَ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْنَا {وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا.} [المؤمنون: 106] الْآيَةَ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} قَالَ: فَلَا يَتَكَلَّمُونَ فِيهَا أَبَدًا. فَانْقَطَعَ عِنْدَ ذَلِكَ الدُّعَاءُ وَالرَّجَاءُ -[121]- مِنْهُمْ، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ يَنْبَحُ فِي وَجْهِ بَعْضٍ، فَأُطْبِقَتْ عَلَيْهِمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فِي حَدِيثِهِ: فَحَدَّثَنِي الْأَزْهَرُ بْنُ أَبِي الْأَزْهَرِ أَنَّهُ قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 35] "

الصفحة 119