كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 17)

§وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} [المؤمنون: 14] يَقُولُ: ثُمَّ صَيَّرْنَا النُّطْفَةَ الَّتِي جَعَلْنَاهَا فِي قَرَارٍ مَكِينٍ عَلَقَةً، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الدَّم ِ {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} [المؤمنون: 14] يَقُولُ: فَجَعَلْنَا ذَلِكَ الدَّمَ مُضْغَةً، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ
§وَقَوْلُهُ: {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا} [المؤمنون: 14] يَقُولُ: فَجَعَلْنَا تِلْكَ الْمُضْغَةَ اللَّحْمَ عِظَامًا وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ سِوَى عَاصِمٍ: {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا} [المؤمنون: 14] عَلَى الْجِمَاعِ، وَكَانَ عَاصِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ يَقْرَآنِ ذَلِكَ: (عَظْمًا) فِي الْحَرْفَيْنِ عَلَى التَّوْحِيدِ جَمِيعًا. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي نَخْتَارُ فِي ذَلِكَ الْجِمَاعُ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ
§وَقَوْلُهُ: {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} [المؤمنون: 14] يَقُولُ: فَأَلْبَسْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَظْمًا وَعَصَبًا فَكَسَوْنَاهُ لَحْمًا) . وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] يَقُولُ: ثُمَّ أَنْشَأْنَا هَذَا الْإِنْسَانَ خَلْقًا آخَرَ. وَهَذِهِ الْهَاءُ الَّتِي فِي: {أَنْشَأْنَاهُ} [المؤمنون: 14] عَائِدَةٌ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} [الحجر: 26] قَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِ الْعَظْمِ وَالنُّطْفَةِ وَالْمُضْغَةِ، جُعِلَ ذَلِكَ كُلُّهُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، فَقِيلَ: ثُمَّ أَنْشَأْنَا ذَلِكَ خَلْقًا آخَرَ. -[22]- وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْشَاؤُهُ إِيَّاهُ خَلْقًا آخَرَ: نَفْخُهُ الرُّوحَ فِيهِ، فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ إِنْسَانًا، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ صُورَةً

الصفحة 21