كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 17)

§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [المؤمنون: 26] يَعْنِي ذَكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ الْمَلَأِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِ نُوحٍ {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} [المؤمنون: 25] مَا نُوحٌ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جُنُونٌ. وَقَدْ يُقَالُ أَيْضًا لِلْجِنِّ جِنَّةٌ، فَيَتَّفِقُ الِاسْمُ وَالْمَصْدَرُ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ: {إِنْ هُوَ} [الأنعام: 90] كِنَايَةُ اسْمِ نُوحٍ
§وَقَوْلُهُ: {فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 25] يَقُولُ: فَتَلَبَّثُوا بِهِ، وَتَنَظَّرُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ؛ يَقُولُ: إِلَى وَقْتٍ مَا. وَلَمْ يَعْنُوا بِذَلِكَ وَقْتًا مَعْلُومًا، إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: دَعْهُ إِلَى يَوْمٍ مَا، أَوْ إِلَى وَقْتٍ مَا
§وَقَوْلُهُ: {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ} [المؤمنون: 26] يَقُولُ: قَالَ نُوحٌ دَاعِيًا رَبَّهُ مُسْتَنْصِرًا بِهِ عَلَى قَوْمِهِ، لَمَّا طَالَ أَمْرُهُ وَأَمْرُهُمْ , وَتَمَادَوْا فِي غَيِّهِمْ: {رَبِّ انْصُرْنِي} [المؤمنون: 26] عَلَى قَوْمِي {بِمَا كَذَّبُونِ} [المؤمنون: 26] يَعْنِي بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّايَ، فِيمَا بَلَّغْتُهُمْ مِنْ رِسَالَتِكَ , وَدَعَوْتُهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِكَ
§وَقَوْلُهُ: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} [المؤمنون: 27] يَقُولُ: فَقُلْنَا لَهُ حِينَ اسْتَنْصَرَنَا عَلَى كَفَرَةِ قَوْمِهِ: اصْنَعِ الْفُلْكَ، وَهِيَ السَّفِينَةُ {بِأَعْيُنِنَا} [هود: 37] يَقُولُ: بِمَرْأًى مِنَّا وَمَنْظَرٍ، {وَوَحْيِنَا} [هود: 37] يَقُولُ: وَبِتَعْلِيمِنَا إِيَّاكَ صَنْعَتَهَا. {فَإِذَا

الصفحة 35