كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 17)

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: §هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يَقُولُ: «بَعِيدٌ بَعِيدٌ»
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {§هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون: 36] قَالَ: «يَعْنِي الْبَعْثَ» وَالْعَرَبُ تُدْخِلُ اللَّامَ مَعَ (هَيْهَاتَ) فِي الِاسْمِ الَّذِي يَصْحَبُهَا، وَتَنْزَعُهَا مِنْهُ، تَقُولُ: هَيْهَاتَ لَكَ هَيْهَاتَ، وَهَيْهَاتَ مَا تَبْتَغِي هَيْهَاتَ؛ وَإِذَا أَسْقَطَتِ اللَّامُ رَفَعَتِ الِاسْمَ , بِمَعْنَى هَيْهَاتَ، كَأَنَّهُ قَالَ: بَعِيدٌ مَا يَنْبَغِي لَكَ؛ كَمَا قَالَ جَرِيرٌ:
[البحر الطويل]
-[43]- فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ الْعَقِيقُ وَمَنْ بِهِ ... وَهَيْهَاتَ خِلٌّ بِالْعَقِيقِ نُوَاصِلُهْ
كَأَنَّهُ قَالَ: الْعَقِيقُ وَأَهْلُهُ. وَإِنَّمَا دَخَلَتِ اللَّامُ مَعَ هَيْهَاتَ فِي الِاسْمِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: (هَيْهَاتَ) أَدَاةٌ غَيْرُ مَأْخُوذَةٍ مِنْ فِعْلٍ، فَأَدْخَلُوا مَعَهَا فِي الِاسْمِ اللَّامَ. كَمَا أَدْخَلُوهَا مَعَ هَلُمَّ لَكَ. إِذْ لَمْ تَكُنْ مَأْخُوذَةً مِنْ فِعْلٍ. فَإِذَا قَالُوا أَقْبِلْ. لَمْ يَقُولُوا لَكَ. لِاحْتِمَالِ الْفِعْلِ ضَمِيرَ الِاسْمِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي كَيْفِيَّةِ الْوَقْفِ عَلَى هَيْهَاتَ، فَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَخْتَارُ الْوقُوفَ فِيهَا بِالْهَاءِ. لِأَنَّهَا مَنْصُوبَةٌ، وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَخْتَارُ الْوقُوفَ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ. وَيَقُولُ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَخْفِضُ التَّاءَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ. فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ: دَرَاكِ , وَنَظَارِ؛ وَأَمَّا نَصْبُ التَّاءِ فِيهِمَا. فَلِأَنَّهُمَا أَدَاتَانِ. فَصَارَتَا بِمَنْزِلَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ. وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: إِنْ قِيلَ: إِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مُسْتَغْنِيَةٌ بِنَفْسِهَا يَجُوزُ الْوقُوفُ عَلَيْهَا. وَإِنَّ نَصْبَهَا كَنَصْبِ قَوْلِهِ: ثُمَّتَ جَلَسْتُ؛ وَبِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر السريع]
مَاوِيَّ يَا رُبَّتَمَا غَارَةٍ ... شَعْوَاءَ كَاللَّذْعَةِ بِالْمَيْسَمِ
-[44]- قَالَ: فَنَصْبُ (هَيْهَاتَ) بِمَنْزِلَةِ هَذِهِ الْهَاءِ الَّتِي فِي (رُبَّتَ) لِأَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى حَرْفٍ، عَلَى (رُبَّ) وَعَلَى (ثُمَّ) ، وَكَانَا أَدَاتَيْنِ، فَلَمْ تُغَيِّرْهَا عَنْ أَدَاتِهِمَا فَنُصِبَا. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ غَيْرَ أَبِي جَعْفَرٍ: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ} [المؤمنون: 36] بِفَتْحِ التَّاءِ فِيهِمَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ: (هَيْهَاتِ هَيْهَاتِ) بِكَسْرِ التَّاءِ فِيهِمَا. وَالْفَتْحُ فِيهِمَا هُوَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ

الصفحة 42