كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 17)

§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} [المؤمنون: 39] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالُوا مَا صَالِحٌ إلَّا رَجُلٌ اخْتَلَقَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فِي قَوْلِهِ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُ اللَّهِ , وَفِي وَعْدِهِ إِيَّاكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ. وَقَوْلُهُ: {هُوَ} [البقرة: 29] مِنْ ذِكْرِ الرَّسُولِ، وَهُوَ صَالِحٌ {وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ} [المؤمنون: 38] فِيمَا يَقُولُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ لَنَا غَيْرُ اللَّهِ، وَفِيمَا يَعِدُنَا مِنَ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ
§وَقَوْلُهُ: قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ يَقُولُ: قَالَ صَالِحٌ لَمَّا أَيسَ مِنْ إِيمَانِ قَوْمِهِ بِاللَّهِ وَمِنْ تَصْدِيقِهِمْ إِيَّاهُ بِقَوْلِهِمْ وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى هَؤُلَاءِ بِمَا كَذَّبُونِ يَقُولُ: بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّايَ فِيمَا دَعَوْتُهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ. فَاسْتَغَاثَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِرَبِّهِ مِنْ أَذَاهُمْ إِيَّاهُ , وَتَكْذِيبِهِمْ لَهُ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ مُجِيبًا فِي مَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ مَا سَأَلَ: عَنْ قَلِيلٍ يَا صَالِحُ لَيُصْبِحَنَّ مُكَذِّبُوكَ مِنْ قَوْمِكَ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ نَادِمِينَ، وَذَلِكَ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمْ نِقْمَتُنَا فَلَا يَنْفَعُهُمُ النَّدَمُ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ، فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الصَّيْحَةَ فَأَخَذَتْهُمْ بِالْحَقِّ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَاقَبَهُمْ بِاسْتِحْقَاقِهِمُ الْعِقَابَ مِنْهُ بِكُفْرِهِمْ بِهِ , وَتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ. -[46]- فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً يَقُولُ: فَصَيَّرْنَاهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْغُثَاءِ، وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ عَلَى السَّيْلِ وَنَحْوِهِ، كَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي شَيْءٍ. فَإِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ، وَالْمَعْنَى: فَأَهْلَكْنَاهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ كَالشَّيْءِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ

الصفحة 45