كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 17)

قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «§كَانَ مَعَ فِرْعَوْنَ يَوْمَئِذٍ أَلْفُ جَبَّارٍ، كُلُّهُمْ عَلَيْهِ تَاجٌ، وَكُلُّهُمْ أَمِيرٌ عَلَى خَيْلٍ»
قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «§كَانُوا ثَلَاثِينَ مَلَكًا سَاقَةً خَلْفَ فِرْعَوْنَ، يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ مَعَهُمْ، وَجَبْرَائِيلُ أَمَامَهُمْ يَرُدُّ أَوَائِلَ الْخَيْلِ عَلَى أَوَاخِرِهَا، فَأَتْبَعَهُمْ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَحْرِ»
§وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} [الشعراء: 55] يَقُولُ: وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الشِّرْذِمَةَ لَنَا لَغَائِظُونَ، فَذَكَرَ أَنَّ غَيْظَهُمْ إِيَّاهُمْ كَانَ قَتْلَ الْمَلَائِكَةِ مَنْ قَتَلَتْ مِنْ أَبْكَارِهِمْ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ: " {§وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} [الشعراء: 55] يَقُولُ: بِقَتْلِهِمْ أَبْكَارِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا ". وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ بِذِهَابِهِمْ مِنْهُمْ بِالْعَوَارِي الَّتِي كَانُوا اسْتَعَارُوهَا مِنْهُمْ مِنَ الْحُلِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِفِرَاقِهِمْ إِيَّاهُمْ، وَخُرُوجِهِمْ مِنْ أَرْضِهِمْ بِكُرْهٍ لَهُمْ لِذَلِكَ
§وَقَوْلُهُ {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء: 56] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ -[577]- قُرَّاءِ الْكُوفَةِ {وَإِنَّا لَجَمِيعُ حَاذِرُونَ} [الشعراء: 56] بِمَعْنَى: أَنَّهُمْ مُعَدُّونَ مُؤَدُّونَ ذُوُو أَدَاةٍ وَقُوَّةٍ وَسِلَاحٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَذِرُونَ) ، بِغَيْرِ أَلْفٍ. وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: كَأَنَّ الْحَاذِرَ الَّذِي يَحْذَرُكَ الْآنَ، وَكَأَنَّ الْحَذِرَ الْمَخْلُوقُ حَذِرًا لَا تَلْقَاهُ إِلَّا حَذِرًا. وَمِنَ الْحَذَرِ قَوْلُ ابْنِ أَحْمَرَ:
[البحر السريع]
هَلْ أُنسَأَنْ يَوْمًا إِلَى غَيْرِهِ ... إِنِّي حَوَالِيٌّ وَإِنِّي حَذِرْ
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِيهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ

الصفحة 576