كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 17)

وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} [الشعراء: 64] وَجَمَعْنَا، قَالَ: وَمِنْهُ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ، قَالَ: وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهَا لَيْلَةُ جَمْعٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ: وَأَهْلَكْنَا
§وَقَوْلُهُ: {وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ} [الشعراء: 65] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنْجَيْنَا مُوسَى مِمَّا أَتْبَعْنَا بِهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ مِنَ الْغَرَقِ فِي الْبَحْرِ وَمَنْ مَعَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَجْمَعِينَ
§وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [الشعراء: 66] يَقُولُ: ثُمَّ أَغْرَقْنَا فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ مِنَ الْقِبْطِ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْجَيْنَا مُوسَى مِنْهُ وَمَنْ مَعَهُ
§وَقَوْلُهُ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} [البقرة: 248] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِيمَا فَعَلْتُ بِفِرْعَوْنَ وَمَنْ مَعَهُ تَغْرِيقِي إِيَّاهُمْ فِي الْبَحْرِ إِذْ كَذَّبُوا رَسُولِي مُوسَى، وَخَالَفُوا أَمْرِي بَعْدَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ، وَالْإِنْذَارِ لِدَلَالَةٍ بَيِّنَةٍ يَا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سُنَّتِي فِيمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِنْ تَكْذِيبِ رُسُلِي، وَعِظَةً لَهُمْ وَعِبْرَةً أَنِ ادَّكِرُوا وَاعْتَبِرُوا , أَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَ فِعْلِهِمْ مِنْ تَكْذِيبِكَ مَعَ الْبُرْهَانُ وَالْآيَاتِ الَّتِي قَدْ آتَيْتُهُمْ، فَيَحِلَّ بِهِمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ نَظِيرَ مَا حَلَّ بِهِمْ، وَلَكَ آيَةٌ فِي فِعْلِي بِمُوسَى، وَتَنْجِيَتِي إِيَّاهُ بَعْدَ طُولِ عِلَاجِهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ مِنْهُ، وَإِظْهَارِي إِيَّاهُ وَتَوْرِيثِهِ وَقَوْمَهُ دُورَهُمْ وَأَرْضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، عَلَى أَنِّي سَالِكٌ فِيكَ سَبِيلَهُ، إِنْ أَنْتَ صَبَرْتَ صَبْرَهُ، وَقُمْتَ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ إِلَى مَنْ أَرْسَلْتُكَ إِلَيْهِ قِيَامَهُ، وَمُظْهِرُكَ عَلَى مُكَذِّبِيكَ، وَمُعْلِيكَ عَلَيْهِمْ.
{§وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 8] يَقُولُ: وَمَا كَانَ أَكْثَرُ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ مُؤْمِنِينَ بِمَا آتَاكَ اللَّهُ مِنَ الْحَقِّ الْمُبِينِ، فَسَابِقٌ فِي عِلْمِي أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. {وَإنَّ رَبَّكَ لَهُوَ -[589]- الْعَزِيزُ} [الشعراء: 9] فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَ رُسُلَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ، {الرَّحِيمُ} [الفاتحة: 1] بِمَنْ أُنْجِي مِنْ رُسُلِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنَ الْغَرَقِ وَالْعَذَابِ الَّذِي عَذَّبَ بِهِ الْكَفَرَةَ

الصفحة 588