كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 17)

الْقَائِدُ الْخَيْلَ مَنْكُوبًا دَوَابِرُهَا ... قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَمَاتِ الْقِدِّ وَالْأَبَقَا
وَقَالَ: يُرِيدُ أُحْكِمَتْ حَكَمَاتِ الْأِبْقِ، فَأَلْقَى الْحَكَمَاتِ وَأَقَامَ الْأَبَقَ مُقَامَهَا. وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: الْفَصِيحُ مِنَ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ هُوَ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: سَمِعْتُ زَيْدًا مُتَكَلِّمًا، يُرِيدُونَ: سَمِعْتُ كَلَامَ زَيْدٍ، ثُمَّ تَعْلَمُ أَنَّ السَّمْعَ لَا يَقَعُ عَلَى الْأَنَاسِيِّ. إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى كَلَامِهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ: سَمِعْتُ زَيْدًا: أَيْ سَمِعْتُ كَلَامَهُ. قَالَ: وَلَوْ لَمْ يُقَدِّمْ فِي بَيْتِ زُهَيْرٍ حَكَمَاتِ الْقِدِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْبَقَ بِالْأَبَقِ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: رَأَيْتُ الْأَبَقَ، وَهُوَ يُرِيدُ الْحِكْمَةَ.
§وَقَوْلُهُ: {أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء: 73] يَقُولُ: أَوْ تَنْفَعُكُمْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ، فَيَرْزُقُونَكُمْ شَيْئًا عَلَى عِبَادَتِكُمُوهَا، أَوْ يَضُرُّونَكُمْ فَيُعَاقِبُونَكُمْ عَلَى تَرَكِكُمْ عِبَادَتِهَا بِأَنْ يَسْلُبُوكُمْ أَمْوَالَكُمْ، أَوْ يُهْلِكُوكُمْ إِذَا هَلَكْتُمْ وَأَوْلَادَكُمْ {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 74] . وَفِي الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَمَّا تَرَكَ، وَذَلِكَ جَوَابُهُمْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُمْ: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ، أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء: 73] فَكَانَ جَوَابُهُمْ إِيَّاهُ: لَا، مَا يَسْمَعُونَنَا إِذَا دَعَوْنَاهُمْ، وَلَا يَنْفَعُونَنَا وَلَا يَضُرُّونَ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ بِذَلِكَ أَجَابُوهُ. قَوْلُهُمْ: {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 74] وَذَلِكَ رُجُوعٌ عَنْ مَجْحُودٍ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: مَا كَانَ كَذَا بَلْ كَذَا وَكَذَا،

الصفحة 590