كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 17)

وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: {وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 74] وَجَدْنَا مَنْ قَبْلِنَا , وَلَا يَضُرُّونَ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ بِذَلِكَ أَجَابُوهُ قَوْلَهُمْ مِنْ آبَائِنَا يَعْبُدُونَهَا وَيَعْكُفُونَ عَلَيْهَا لِخِدْمَتِهَا وَعِبَادَتِهَا، فَنَحْنُ نَفْعَلُ ذَلِكَ اقْتِدَاءً بِهِمْ، وَاتِّبَاعًا لِمِنْهَاجِهِمْ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ. فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 76] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِقَوْمِهِ: أَفَرَأَيْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَامِ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ، يَعْنِي بِالْأَقْدَمِينَ: الْأَقْدَمِينَ مِنَ الَّذِينَ كَانَ إِبْرَاهِيمُ يُخَاطِبُهُمْ، وَهُمُ الْأَوَّلُونَ قَبْلَهُمْ مِمَّنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الَّذِينَ كَلَّمَهُمْ إِبْرَاهِيمُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ. فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ. يَقُولُ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يُوصَفُ الْخَشَبُ وَالْحَدِيدُ وَالنُّحَاسُ بِعَدَاوَةِ ابْنِ آدَمَ؟ فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي لَوْ عَبَدْتُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا. كَلَّا، سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًا} [مريم: 81]
§وَقَوْلُهُ: {إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 77] نَصَبًا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْعَدُوُّ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، وَوَحَّدَ لِأَنَّهُ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْمَصْدَرِ، مِثْلَ الْقُعُودِ وَالْجُلُوسِ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: أَفَرَأَيْتُمْ كُلَّ مَعْبِودٍ لَكُمْ وَلِآبَائِكُمْ، فَإِنِّي مِنْهُ بَرِيءٌ لَا أَعْبُدُهُ، إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِي هُوَ -[592]- يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ. وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 79] يَقُولُ: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء: 78] لِلصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَيُسَدِّدُنِي لِلرَّشَادِ. {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء: 79] يَقُولُ: وَالَّذِي يَغْذُونِي بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَيَرْزُقُنِي الْأَرْزَاقَ. {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] يَقُولُ: وَإِذَا سَقَمَ جِسْمِي وَاعْتَلَّ، فَهُوَ يُبْرِئُهُ وَيُعَافِيهِ.

الصفحة 591