كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 17)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلَهُ: " {§وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء: 84] ، قَوْلُهُ {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} [العنكبوت: 27] . قَالَ: إِنَّ اللَّهَ فَضَّلَهُ بِالْخِلَّةِ حِينَ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا، فَسَأَلَ اللَّهَ فَقَالَ: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء: 84] حَتَّى لَا تُكَذِّبُنِي الْأُمَمُ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْيَهُودَ آمَنَتْ بِمُوسَى وَكَفَرَتْ بِعِيسَى، وَإِنَّ النَّصَارَى آمَنَتْ بِعِيسَى وَكَفَرَتْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُلُّهُمْ يَتَوَلَّى إِبْرَاهِيمَ؛ قَالَتِ الْيَهُودُ: هُوَ خَلِيلُ اللَّهِ وَهُوَ مِنَّا، فَقَطَعَ اللَّهُ وِلَايَتَهُمْ مِنْهُ بَعْدَ مَا أَقَرُّوا لَهُ بِالنُّبُوَّةِ وَآمَنُوا بِهِ، فَقَالَ: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: 67] ثُمَّ أَلْحَقَ وِلَايَتَهُ بِكُمْ فَقَالَ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لِلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 68] فَهَذَا أَجْرُهُ الَّذِي عُجِّلَ لَهُ، وَهِيَ الْحَسَنَةُ، إِذْ يَقُولُ: {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [النحل: 122] وَهُوَ اللِّسَانُ الصِّدْقُ الَّذِي سَأَلَ رَبَّهُ "
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {§وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخَرِينَ} [الشعراء: 84] قَالَ: " اللِّسَانُ الصِّدْقُ: الذِّكْرُ الصِّدْقُ، وَالثَّنَاءُ الصَّالِحُ، وَالذِّكْرُ الصَّالِحُ فِي الْآخِرِينَ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْأُمَمِ "
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ. وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ -[595]- كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ. وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ. يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 86] يَعْنِي إِبْرَاهِيمُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} [الشعراء: 85] أَوْرِثْنِي يَا رَبِّ مِنْ مَنَازِلِ مَنْ هَلَكَ مِنْ أَعْدَائِكَ الْمُشْرِكِينَ بِكَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَسْكِنِّي ذَلِكَ. {وَاغْفِرْ لِأَبِي} [الشعراء: 86] يَقُولُ: وَاصْفَحْ لِأَبِي عَنْ شَرَكِهِ بِكَ، وَلَا تُعَاقِبْهُ عَلَيْهِ {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء: 86] يَقُولُ: إِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى، فَكَفَرَ بِكَ. وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَاخْتِلَافُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
الصفحة 594
701