كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 17)

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " {§إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 137] يَقُولُ: إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ الْأَوَّلِينَ "
قَالَ ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ " {§إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 137] وَيَقُولُ شَيْءٌ اخْتَلَقُوهُ "
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلْقَمَةُ: " {§إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 137] قَالَ: اخْتِلَاقٌ الْأَوَّلِينَ ". وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 137] بِضَمِّ الْخَاءِ وَاللَّامِ، بِمَعْنَى: إِنْ هَذَا إِلَّا عَادَةُ الْأَوَّلِينَ وَدِينُهُمْ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا عُوتِبُوا عَلَى الْبُنْيَانِ الَّذِي كَانُوا يَتَّخِذُونَهُ، وَبَطْشِهِمْ بِالنَّاسِ بَطَشَ الْجَبَابِرَةِ، وَقِلَّةِ شُكْرِهِمْ رَبَّهُمْ فِيمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ، فَأَجَابُوا نَبِيَّهُمْ بِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ احْتِذَاءً مِنْهُمْ سُنَّةَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ، وَاقْتِفَاءً مِنْهُمْ آثَارَهُمْ، فَقَالُوا: مَا هَذَا الَّذِي نَفْعَلُهُ إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ، يَعْنُونَ بِالْخُلُقِ: عَادَةَ الْأَوَّلِينَ. وَيَزِيدُ ذَلِكَ بَيَانًا وَتَصْحِيحًا لِمَا اخْتَرْنَا مِنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّأْوِيلِ، قَوْلُهُمْ: {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الشعراء: 138] لِأَنَّهُمْ -[617]- لَوْ كَانُوا لَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ لَهُمْ رَبًّا يَقْدِرِ عَلَى تَعْذِيبِهِمْ مَا قَالُوا: {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الشعراء: 138] بَلْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنْ هَذَا الَّذِي جِئْتَنَا بِهِ يَا هُودُ إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ، وَمَا لَنَا مِنْ مُعَذِّبٍ يُعَذِّبُنَا، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِالصَّانِعِ، وَيَعْبُدُونَ الْآلِهَةَ، عَلَى نَحْوِ مَا كَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ يَعْبُدُونَهَا، وَيَقُولُونَ: إِنَّهَا تُقَرِّبُنَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، فَلِذَلِكَ قَالُوا لِهُودٍ وَهُمْ مُنْكَرُونَ نُبُوَّتَهُ: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} [الشعراء: 136] ثُمَّ قَالُوا لَهُ: مَا هَذَا الَّذِي نَفْعَلُهُ إِلَّا عَادَةُ مَنْ قَبْلَنَا وَأَخْلَاقُهُمْ، وَمَا اللَّهُ مُعَذِّبَنَا عَلَيْهِ، كَمَا أَخْبَرَنَا تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ قَبْلَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِرُسُلِهِمْ: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23]

الصفحة 616