كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 17)

وَمَعْنَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ {فَارِهِينَ} [الشعراء: 149] حَاذِقِينَ بِنَحْتِهَا، مُتَخَبِّرِينَ لِمَوَاضِعِ نَحْتِهَا، كَيِّسِينَ، مِنَ الْفَرَاهَةِ. وَمَعْنَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ (فَرِهِينَ) : مَرِحِينَ أَشِرِينَ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى فَارِهٍ وَفَرِهٍ وَاحِدًا، فَيَكُونَ فَارِهٌ مَبْنِيًّا عَلَى بِنَائِهِ، وَأَصْلُهُ مِنْ فَعَلَ يَفْعَلُ، وَيَكُونُ فَرِهٌ صِفَةً، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ حَاذِقٌ بِهَذَا الْأَمْرِ وَحَذِقٌ. وَمِنَ الْفَارِهِ بِمَعْنَى الْمَرِحِ قَوْلُ الشَّاعِرِ عَدِيِّ بْنِ وَادْعٍ الْعَوْفِيِّ مِنَ الْأَزْدِ:
[البحر البسيط]
لَا أَسْتَكِينُ إِذَا مَا أَزْمَةٌ أَزَمَتْ ... وَلَنْ تَرَانِي بِخَيْرٍ فَارِهَ الطَّلَبِ
أَيْ مِرِحِ الطَّلَبِ
§وَقَوْلُهُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [آل عمران: 50] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاتَّقُوا عِقَابَ اللَّهِ أَيُّهَا الْقَوْمُ عَلَى مَعْصِيَتِكُمْ رَبَّكُمْ وَخِلَافِكُمْ أَمَرَهُ، وَأَطِيعُونِ فِي نَصِيحَتِي لَكُمْ، وَإِنْذَارِي إِيَّاكُمْ عِقَابَ اللَّهِ تَرْشَدُوا.
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ , الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ , قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} [الشعراء: 152] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ صَالِحٍ لِقَوْمِهِ مِنْ ثَمُودَ: لَا تُطِيعُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ -[625]- أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي تَمَادِيهِمْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَاجْتِرَائِهِمْ عَلَى سَخَطِهِ. وَهُمُ الرَّهْطُ التِّسْعَةُ الَّذِينَ كَانُوا يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ مِنْ ثَمُودَ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} [النمل: 48] يَقُولُ: الَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي أَرْضِ اللَّهِ بِمَعَاصِيهِ، وَلَا يُصْلِحُونَ، يَقُولُ: وَلَا يُصْلِحُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللَّهِ.

الصفحة 624