كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 17)

مَلَكًا فَنُطِيعَكَ وَنَعْلَمَ أَنَّكَ صَادِقٌ فِيمَا تَقُولُ. وَالْمُسَحَّرُ: الْمُفَعَّلُ مِنَ السَّحَرَةِ، وَهُوَ الَّذِي لَهُ سَحَرَةٌ.
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا، فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ. وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: 155] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ ثَمُودَ لَنِبِيِّهَا صَالِحٍ: {مَا أَنْتَ} [طه: 72] يَا صَالِحُ {إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [إبراهيم: 10] مِنْ بَنِي آدَمَ، تَأْكُلُ مَا نَأْكُلُ، وَتُشْرَبُ مَا نَشْرَبُ، وَلَسْتَ بِرَبٍّ وَلَا مَلَكٍ، فَعَلَامَ نَتَّبِعُكَ؟ فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فِي قِيلِكَ وَأَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ إِلَيْنَا {فَأْتِ بِآيَةٍ} [الشعراء: 154] يَعْنِي: بِدَلَالَةٍ وَحُجَّةٍ عَلَى أَنَّكَ مُحِقٌ فِيمَا تَقُولُ، إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ صَدَقَنَا فِي دَعْوَاهُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ إِلَيْنَا.
وَقَدْ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، قَالَ: ثنا عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ صَالِحًا النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ، فَآمَنُوا بِهِ وَاتَّبِعُوهُ، فَمَاتَ صَالِحٌ، فَرَجَعُوا عَنِ الْإِسْلَامِ، فَأَتَاهُمْ صَالِحٌ فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا صَالِحٌ، قَالُوا: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَأْتِنَا بِآيَةٍ، فَأَتَاهُمْ بِالنَّاقَةِ، فَكَذِّبُوهُ وَعَقَرُوهَا، فَعَذَّبَهُمُ اللَّهُ "
§وَقَوْلُهُ: {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ صَالِحٌ لِثَمُودَ لَمَّا سَأَلُوهُ آيَةً يَعْلَمُونَ بِهَا صِدْقَهُ، فَأَتَاهُمْ بِنَاقَةٍ أَخْرَجَهَا مِنْ صَخْرَةٍ أَوْ هَضَبَةٍ: هَذِهِ نَاقَةٌ يَا قَوْمِ، لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ مِثْلُهُ شِرْبُ يَوْمٍ آخَرَ مَعْلُومٍ، -[628]- مَا لَكُمْ مِنَ الشُّرْبِ، لَيْسَ لَكُمْ فِي يَوْمِ وِرْدِهَا أَنْ تَشْرَبُوا مِنْ شُرْبِهَا شَيْئًا، وَلَا لَهَا أَنْ تَشْرَبَ فِي يَوْمِكُمْ مِمَّا لَكُمْ شَيْئًا. وَيَعْنِي بِالشِّرْبِ: الْحَظَّ وَالنَّصِيبَ مِنَ الْمَاءِ، يَقُولُ: لَهَا حَظٌّ مِنَ الْمَاءِ، وَلَكُمْ مِثْلُهُ، وَالشُّرْبُ وَالشَّرْبُ وَالشِّرْبُ مَصَادِرُ كُلُّهَا بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ. وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: آخِرُهَا أَقَلُّهَا شُرْبًا وَشِرْبًا.

الصفحة 627