كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 17)

وَمَنَ الشَّاهِدِ عَلَى الْجَزْمِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط]
لَوْ كُنْتَ إِذْ جِئْتَنَا حَاوَلْتَ رُؤْيَتَنَا ... أَوْ جِئْتَنَا مَاشِيًا لَا يُعْرَفِ الْفَرَسُ
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الرجز]
لَطَالَمَا حَلَّأْتُمَاهَا لَا تَرِدْ ... فَخَلِّيَاهَا وَالسِّجَالَ تَبْتَرِدْ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ. أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} [الشعراء: 203] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَيَأْتِيَ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِهَذَا الْقُرْآنِ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ بَغْتَةً، يَعْنِي فَجْأَةُ {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [الأعراف: 95] يَقُولُ: لَا يَعْلَمُونَ قَبْلَ ذَلِكَ بِمَجِيئِهِ حَتَّى يَفْجَأَهُمْ بَغْتَةً. {فَيَقُولُوا} [الشعراء: 203] حِينَ يَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً {هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ} [الشعراء: 203] أَيْ هَلْ نَحْنُ مُؤَخَّرٌ عَنَّا الْعَذَابُ، وَمُنْسَأٌ فِي آجَالِنَا لِنَتُوبَ وَنُنِيبَ إِلَى اللَّهِ مِنْ شِرْكِنَا وَكُفْرِنَا بِاللَّهِ، فَنُرَاجِعَ الْإِيمَانَ بِهِ، وَنُنَيبَ إِلَى طَاعَتِهِ.
§وَقَوْلُهُ: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} [الشعراء: 204] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَبِعَذَابِنَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَسْتَعْجِلُونَ بِقَوْلِهِمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا.
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جَاءهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ. مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء: 206] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ جَاءَهُمُ الْعَذَابُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ -[651]- بِآيَاتِنَا، وَتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَنَا. {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ} [الشعراء: 207] يَقُولُ: أَيَّ شَيْءٍ أَغْنَى عَنْهُمُ التَّأْخِيرَ الَّذِي أَخَّرْنَا فِي آجَالِهِمْ، وَالْمَتَاعَ الَّذِي مَتَّعْنَاهُمْ بِهِ مِنَ الْحَيَاةِ، إِذْ لَمْ يَتُوبُوا مِنْ شِرْكِهِمْ، هَلْ زَادَهُمْ تَمْتِيعُنَا إِيَّاهُمْ ذَلِكَ إِلَّا خَبَالًا، وَهَلْ نَفَعَهُمْ شَيْئًا، بَلْ ضَرَّهُمْ بِازْدِيَادِهِمْ مِنَ الْآثَامِ، وَاكْتِسَابِهِمْ مِنَ الْإِجْرَامِ مَا لَوْ لَمْ يُمَتَّعُوا لَمْ يَكْتَسِبُوهُ.

الصفحة 650