كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 18)

{§وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25] يَقُولُ: وَيَعْلَمُ السِّرَّ مِنْ أُمُورِ خَلْقِهِ، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَالْعَلَانِيَةَ مِنْهَا، وَذَلِكَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ أَلَّا بِالتَّشْدِيدِ. وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَيَعْلَمُ مَا يُسِرُّهُ خَلْقُهُ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِالسُّجُودِ بِقَوْلِهِ: «أَلَا يَا هَؤُلَاءِ اسْجُدُوا» . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: (أَلَّا تَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَمَا تُعْلِنُونَ) .
§وَقَوْلُهُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَا مَعْبُودَ سِوَاهُ تَصْلُحُ لَهُ الْعِبَادَةُ، فَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، وَأَفْرِدُوهُ بِالطَّاعَةِ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129] يَعْنِي بِذَلِكَ: مَالِكُ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الَّذِي كُلُّ عَرْشٍ وَإِنْ عَظَمَ فَدُونَهُ، لَا يُشْبِهُهُ عَرْشُ مَلِكَةِ سَبَأَ وَلَا غَيْرُهُ.
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ؛ فِي قَوْلِهِ: " {§أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [النمل: 22] إِلَى قَوْلِهِ {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ الْهُدْهُدِ ". حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، بِنَحْوِهِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل: 28] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {قَالَ} [البقرة: 30] سُلَيْمَانُ لِلْهُدْهُدِ: {سَنَنْظُرُ} [النمل: 27] فِيمَا اعْتَذَرْتَ بِهِ مِنَ الْعُذْرِ، وَاحْتَجَجْتَ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِغَيْبَتِكَ عَنَّا، وَفِيمَا جِئْتَنَا بِهِ مِنَ الْخَيْرِ {أَصَدَقْتَ} [النمل: 27] فِي -[45]- ذَلِكَ كُلِّهِ {أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل: 27] فِيهِ {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل: 28] . فَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا، فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ، فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ، ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ مُنْصَرِفًا إِلَيَّ، فَقَالَ: هُوَ مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ.

الصفحة 44