كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 18)

§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ، تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا} [لقمان: 33] هُوَ آتِيكُمْ عِلْمُ إِتْيَانِهِ إِيَّاكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ، لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَتَى هُوَ جَائِيكُمْ، لَا يَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً، فَاتَّقُوهُ أَنْ يَفْجَأَكُمْ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ عَلَى ضَلَالَتِكُمْ لَمْ تُنِيبُوا مِنْهَا، فَتَصِيرُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ إِلَى مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ؛ وَابْتَدَأَ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْخَبَرَ عَنْ عِلْمِهِ بِمَجِيءِ السَّاعَةِ، وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْتُ لِدِلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ، فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] الَّتِي تَقُومُ فِيهَا الْقِيَامَةُ، لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ أَحَدٌ غَيْرُهُ {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [لقمان: 34] مِنَ السَّمَاءِ، لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ غَيْرُهُ {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان: 34] أَرْحَامِ الْإِنَاثِ {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: 34] يَقُولُ: وَمَا تَعْلَمُ نَفْسُ حَيٍّ مَاذَا تَعْمَلُ فِي غَدٍ، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] يَقُولُ: وَمَا تَعْلَمُ نَفْسُ حَيٍّ بِأَيِّ أَرْضٍ تَكُونُ مَنِيَّتُهَا {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34] يَقُولُ: إِنَّ الَّذِي يَعْلَمُ ذَلِكَ كُلَّهُ هُوَ اللَّهُ دُونَ كُلِّ أَحَدٍ سِوَاهُ، إِنَّهُ ذُو عِلْمٍ بِكُلِّ شَيْءٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، خَبِيرٌ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا قَدْ كَانَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي -[585]- الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: أَحْسِبُهُ أَنَا قَالَ: إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي حُبْلَى، فَأَخْبِرْنِي مَاذَا تَلِدُ؟ وَبِلَادُنَا مَحْلٌ جَدْبَةٌ، فَأَخْبِرْنِي مَتَى يَنْزِلُ الْغَيْثُ؟ وَقَدْ عَلِمْتُ مَتَى وُلِدْتُ، فَأَخْبِرْنِي مَتَى أَمُوتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [لقمان: 34] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، قَالَ: فَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: " §هُنَّ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59] "

الصفحة 584