كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 18)

{§ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: 11] يَقُولُ: مَنْ بَعْدِ قَبْضِ مَلَكِ الْمَوْتِ أَرْوَاحَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُرَدُّونَ أَحْيَاءً كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ وَفَاتِكُمْ، فَيُجَازَى الْمُحْسِنُ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءُ بِإِسَاءَتِهِ.
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا، فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ تَرَى يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ {أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [السجدة: 10] إِذْ هُمْ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ حَيَاءً مِنْ رَبِّهِمْ، لِلَّذِي سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ مَعَاصِيهِ فِي الدُّنْيَا، يَقُولُونَ: يَا {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا} [السجدة: 12] مَا كُنَّا نُكَذِّبُ بِهِ مِنْ عِقَابِكَ أَهْلَ مَعَاصِيكَ {وَسَمِعْنَا} [السجدة: 12] مِنْكَ تَصْدِيقَ مَا كَانَتْ رُسُلُكَ تَأْمُرُنَا بِهِ فِي الدُّنْيَا، {فَارْجِعْنَا} [السجدة: 12] يَقُولُ: فَارْدُدْنَا إِلَى الدُّنْيَا نَعْمَلْ فِيهَا بِطَاعَتِكَ، وَذَلِكَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ {إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12] يَقُولُ: إِنَّا قَدْ أَيْقَنَّا الْآنَ مَا كُنَّا بِهِ فِي الدُّنْيَا جُهَّالًا مِنْ وَحْدَانِيَّتِكَ، وَأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُعْبَدَ سِوَاكَ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَبٌّ سِوَاكَ، وَأَنَّكَ تُحْيِي وَتُمِيتُ، وَتَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَالْفَنَاءِ، وَتَفْعَلُ مَا تَشَاءُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: {نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: قَوْلُهُ " {§وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} قَالَ: قَدْ حَزِنُوا وَاسْتَحْيُوا "
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا، وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلَ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13]-[606]- يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلَوْ شِئْنَا} [الأعراف: 176] يَا مُحَمَّدُ {لَآتَيْنَا} [السجدة: 13] هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ {هُدَاهَا} [السجدة: 13] يَعْنِي: رُشْدَهَا وَتَوْفِيقَهَا لِلْإِيمَانِ بِاللَّهِ {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: 13] يَقُولُ: وَجَبَ الْعَذَابُ مِنِّي لَهُمْ، وَقَوْلُهُ {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 119] يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ مِنْهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.

الصفحة 605