كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 18)
سُجُودِهِمْ بِحَمْدِهِ، فَيُبَرِّئُونَهُ مِمَّا يَصِفُهُ أَهْلُ الْكُفْرِ بِهِ، وَيُضِيفُونَ إِلَيْهِ مِنَ الصَّاحِبَةِ وَالْأَوْلَادِ وَالشُّرَكَاءِ وَالْأَنْدَادِ {وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [النحل: 49] يَقُولُ: يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنِ السُّجُودِ لَهُ وَالتَّسْبِيحِ، لَا يَسْتَنْكِفُونَ عَنِ التَّذَلُّلِ لَهُ وَالِاسْتِكَانَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ قَوْمًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنَ الْمَسْجِدِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: تَتَنَحَّى جُنُوبُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ، الَّذِينَ وَصَفْتُ صِفَتَهُمْ، وَتَرْتَفِعُ مِنْ مَضَاجِعِهِمُ الَّتِي يَضْطَجِعُونَ لِمَنَامِهِمْ، وَلَا يَنَامُونَ {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: 16] فِي عَفْوِهِ عَنْهُمْ، وَتَفَضُّلِهِ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3] فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَيُؤَدُّونَ مِنْهُ حُقُوقَ اللَّهِ الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَيْهِمْ فِيهِ. وَ {تَتَجَافَى} [السجدة: 16] : تَتَفَاعَلُ مِنَ الْجَفَاءِ؛ وَالْجَفَاءُ: النَّبْوُ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز]
الصفحة 608