كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 18)

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَتَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَتُعَلَّمُهُ. {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل: 6] يَقُولُ: مِنْ عِنْدِ حَكِيمٍ بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ، عَلِيمٍ بِأَنْبَاءِ خَلْقِهِ وَمَصَالِحِهِمْ وَالْكَائِنِ مِنْ أُمُورِهِمْ، وَالْمَاضِي مِنْ أَخْبَارِهِمْ، وَالْحَادِثِ مِنْهَا. {إِذْ قَالَ مُوسَى} [النمل: 7] وَإِذْ مِنْ صِلَةِ عَلِيمٍ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: عَلِيمٌ حِينَ قَالَ مُوسَى {لِأَهْلِهِ} [طه: 10] وَهُوَ فِي مَسِيرِهِ مِنْ مَدْيَنَ إِلَى مِصْرَ، وَقَدْ آذَاهُمْ بَرْدُ لَيْلِهِمْ لَمَّا أَصْلَدَ زَنْدُهُ: {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} [طه: 10] أَيْ أَبْصَرْتُ نَارًا أَوْ أَحْسَسْتُهَا، فَامْكُثُوا مَكَانَكُمْ. {سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} [النمل: 7] يَعْنِي مِنَ النَّارِ، وَالْهَاءُ وَالْأَلِفُ مِنْ ذِكْرِ النَّارِ.
{§أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ} [النمل: 7] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: (بِشِهَابِ قَبَسٍ) بِإِضَافَةِ الشِّهَابِ إِلَى الْقَبَسِ وَتَرْكِ التَّنْوِينِ، بِمَعْنَى: أَوْ آتِيكُمْ بِشُعْلَةِ نَارٍ أَقْتَبِسُهَا مِنْهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: {بِشِهَابٍ قَبَسٍ} [النمل: 7] بِتَنْوِينِ الشِّهَابِ وَتَرْكِ إِضَافَتِهِ إِلَى الْقَبَسِ، يَعْنِي: أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ مُقْتَبَسٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِذَا جُعِلَ الْقَبَسُ بَدَلًا مِنَ الشِّهَابِ فَالتَّنْوِينُ فِي الشِّهَابِ، وَإِنْ أَضَافَ الشِّهَابَ إِلَى الْقَبَسِ، لَمْ يُنَوَّنِ الشِّهَابُ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: إِذَا أُضِيفَ الشِّهَابُ إِلَى الْقَبَسِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ

الصفحة 8