كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 19)

§وَقَوْلُهُ {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} [الأحزاب: 6] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأُولُو الْأَرْحَامِ الَّذِينَ وَرَّثْتَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ هُمْ أَوْلَى بِمِيرَاثِ بَعْضٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ أَنْ يَرِثَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْهِجْرَةِ وَالْإِيمَانِ دُونَ الرَّحِمِ. بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، " {§وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} [الأحزاب: 6] لَبِثَ الْمُسْلِمُونَ زَمَانًا يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ، وَالْأَعْرَابِيُّ الْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ شَيْئًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَخَلَطَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَصَارَتِ الْمَوَارِيثُ بِالْمِلَلِ "
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {§وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 6] قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَوَّلَ مَا كَانَتِ الْهِجْرَةُ وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ اللَّهُ {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] ، قَالَ: إِذَا لَمْ يَأْتِ رَحِمٌ لِهَذَا يَحُولُ دُونَهُمْ، قَالَ: فَكَانَ هَذَا أَوَّلًا، فَقَالَ اللَّهُ {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 6] يَقُولُ: إِلَّا أَنْ تُوصُوا لَهُمْ {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الإسراء: 58] أَنَّ أُولِي الْأَرْحَامِ -[18]- بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُهَاجِرُونَ لَا يَتَوَارَثُونَ إِنْ كَانُوا أُولِي رَحِمٍ، حَتَّى يُهَاجِرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَرَأَ قَالَ اللَّهُ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وِلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] ، إِلَى قَوْلِهِ {وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73] ، فَكَانُوا لَا يَتَوَارَثُونَ، حَتَّى إِذَا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ، انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ، وَكَثُرَ الْإِسْلَامُ، وَكَانَ لَا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ أَنْ يَكُونَ عَلَى الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ وَمَنْ مَعَهُ إِلَّا أَنْ يُهَاجِرَ "

الصفحة 17