كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 19)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثني عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، " {§أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} [الأحزاب: 19] قَالَ: بِالْخَيْرِ، الْمُنَافِقُونَ ". وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ بِالنَّفَقَةِ عَلَى ضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْكُمْ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ بِالْجُبْنِ وَالشُّحِّ، وَلَمْ يُخَصِّصْ وَصْفَهُمْ مِنْ مَعَانِي الشُّحِّ، بِمَعْنًى دُونَ مَعْنًى، فَهُمْ كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ أَشِحَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْغَنِيمَةِ وَالْخَيْرِ وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَلَى أَهْلِ مَسْكَنَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَنُصِبَ قَوْلُهُ {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} [الأحزاب: 19] عَلَى الْحَالِ مِنْ ذِكْرِ الِاسْمِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ {وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ} [الأحزاب: 18] ، كَأَنَّهُ قِيلَ: هُمْ جُبَنَاءُ عِنْدَ الْبَأْسِ، أَشِحَّاءُ عِنْدَ قَسَمِ الْغَنِيمَةِ بِالْغَنِيمَةِ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَطْعًا مِنْ قَوْلِهِ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} [الأحزاب: 18] فَيَكُونَ تَأْوِيلُهُ: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يُعَوِّقُونَ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ، وَيَشُحُّونَ عِنْدَ الْفَتْحِ بِالْغَنِيمَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا قَطْعًا مِنْ قَوْلِهِ: {هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18] أَشِحَّةً، وَهُمْ هَكَذَا أَشِحَّةٌ. وَوَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَا وَصَفُّهُمْ مِنَ الشُّحِّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، لِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ لَهُمْ
الصفحة 52