كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 19)

الْحِجَازِ، وَالضَّمَّ فِي قَيْسٍ. يَقُولُونَ: أُسْوَةٌ، وَأُخْوَةٌ. وَهَذَا عِتَابٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَسْكَرِهِ بِالْمَدِينَةِ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ. يَقُولُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، أَنْ تَتَأَسَّوْا بِهِ، وَتَكُونُوا مَعَهُ حَيْثُ كَانَ، وَلَا تَتَخَلَّفُوا عَنْهُ. {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} [الأحزاب: 21] يَقُولُ: فَإِنَّ مَنْ يَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ فِي الْآخِرَةِ لَا يَرْغَبُ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ تَكُونُ لَهُ بِهِ أُسْوَةٌ فِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُ حَيْثُ يَكُونُ هُوَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، قَالَ: " §ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: 21] أَنْ لَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا عَنْ مَكَانٍ هُوَ بِهِ {وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21] يَقُولُ: وَأَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهِ فِي الْخَوْفِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ "
§وَقَوْلُهُ: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ} [الأحزاب: 22] يَقُولُ: وَلَمَّا عَايَنَ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ جَمَاعَاتِ الْكُفَّارِ قَالُوا تَسْلِيمًا مِنْهُمْ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَإِيقَانًا مِنْهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنْجَازُ وَعْدِهِ لَهُمُ الَّذِي وَعَدَهُمْ بِقَوْلِهِ {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مِثْلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 214] إِلَى قَوْلِهِ {قَرِيبٌ} [البقرة: 186] هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَأَحْسَنَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مِنْ يَقِينِهِمْ، وَتَسْلِيمِهِمْ لَأَمْرِهِ الثَّنَاءَ، فَقَالَ: وَمَا زَادَهُمُ اجْتِمَاعُ الْأَحْزَابِ عَلَيْهِمْ إِلَّا إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَسْلِيمًا لِقَضَائِهِ وَأَمْرِهِ، وَرَزَقَهُمْ بِهِ النَّصْرَ وَالظَّفَرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.

الصفحة 59