كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 19)

كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {§أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ} [الصافات: 151] يَقُولُ: «مِنْ كِذْبِهِمْ»
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الصافات: 154] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُوَبِّخًا هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ لِلَّهِ الْبَنَاتُ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ: {أَصْطَفَى} [الصافات: 153] اللَّهُ أَيُّهَا الْقَوْمُ {الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} [الصافات: 153] ؟ وَالْعَرَبُ إِذَا وَجَّهُوا الِاسْتِفْهَامَ إِلَى التَّوْبِيخِ اثْبَتُوا أَلِفَ الِاسْتِفْهَامِ أَحْيَانًا وَطَرَحُوهَا أَحْيَانًا، كَمَا قِيلَ: {أَذَهَبْتُمْ} [الأحقاف: 20] بِالْقَصْرِ {طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20] يَسْتَفْهِمُ بِهَا، وَلَا يَسْتَفْهِمُ بِهَا، وَالْمَعْنَى فِي الْحَالَيْنِ وَاحِدٌ، وَإِذَا لَمْ يَسْتَفْهِمْ فِي قَوْلِهِ: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ} [الصافات: 153] ذَهَبَتْ أَلِفُ اصْطَفَى فِي الْوَصْلِ، وَيُبْتَدَأُ بِهَا بِالْكَسْرِ، وَإِذَا اسْتَفْهَمَ فُتِحَتْ وَقُطِعَتْ وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ بِتَرْكِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْوَصْلِ فَأَمَّا قُرَّاءُ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، فَإِنَّهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالِاسْتِفْهَامِ، وَفَتْحِ أَلِفِهِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي نَخْتَارُ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا
§وَقَوْلُهُ: {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات: 154] يَقُولُ: بِئْسَ الْحُكَمَ تَحْكُمُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ -[643]- أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ، وَأَنْتُمْ لَا تَرْضَوْنَ الْبَنَاتِ لِأَنْفُسِكُمْ، فَتَجْعَلُونَ لَهُ مَا لَا تَرْضَوْنَهُ لِأَنْفُسِكُمْ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ

الصفحة 642