كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 19)
§وَقَوْلُهُ: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 24] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] , {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 24] يَقُولُ: لِيُثِيبَ اللَّهُ أَهْلَ الصِّدْقِ بِصِدْقِهِمُ اللَّهَ بِمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ، وَوَفَائِهِمْ لَهُ بِهِ {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ} [الأحزاب: 24] بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَنِفَاقِهِمْ {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [آل عمران: 128] مِنْ نِفَاقِهِمْ، فَيَهْدِيَهُمْ لِلْإِيمَانِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، " {§وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: 24] يَقُولُ: إِنْ شَاءَ أَخْرَجَهُمْ مِنَ النِّفَاقِ إِلَى الْإِيمَانِ ". إِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا وَجْهُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب: 24] بِقَوْلِهِ: {إِنْ شَاءَ} [البقرة: 70] وَالْمُنَافِقُ كَافِرٌ , وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَشَاءَ تَعْذِيبَ الْمُنَافِقِ، فَيُقَالُ: وَيُعَذِّبُهُ إِنْ شَاءَ؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي تَوَهَّمْتَهُ. وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: وَيُعَذِّبُ الْمُنَافِقِينَ بِأَنْ لَا يُوَفِّقَهُمْ لِلتَّوْبَةِ مِنْ نِفَاقِهِمْ حَتَّى يَمُوتُوا عَلَى كُفْرِهِمْ إِنْ شَاءَ، فَيَسْتَوْجِبُوا بِذَلِكَ الْعَذَابَ، فَالِاسْتِثْنَاءُ إِنَّمَا هُوَ مِنَ التَّوْفِيقِ لَا مِنَ الْعَذَابِ إِنْ مَاتُوا عَلَى نِفَاقِهِمْ. وَقَدْ بَيَّنَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: 24] فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذَنْ: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِذْ لَمْ يَهْدِهِمْ لِلتَّوْبَةِ، فَيُوَفِّقَهُمْ لَهَا، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ فَلَا يُعَذِّبُهُمْ.
الصفحة 68