كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 19)
أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " {§يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] قَالَ: يَعْنِي عَذَابَ الْآخِرَةِ ". وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ} [الأحزاب: 30] بِالْأَلْفِ، غَيْرُ أَبِي عَمْرٍو، فَإِنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: (يُضَعَّفْ) بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ تَأَوُّلًا مِنْهُ فِي قِرَاءَتِهِ ذَلِكَ أَنَّ يُضَعَّفُ، بِمَعْنَى: تَضْعِيفِ الشَّيْءِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ الشَّيْءَ شَيْئَيْنٍ، فَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُ: أَنْ يَجْعَلَ عَذَابَ مَنْ يَأْتِي مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مِثْلَيْ عَذَابِ سَائِرِ النِّسَاءِ غَيْرِهِنَّ، وَيَقُولُ: إِنَّ {يُضَاعَفْ} [الأحزاب: 30] بِمَعْنَى أَنْ يَجْعَلَ إِلَى الشَّيْءِ مِثْلَاهُ، حَتَّى يَكُونَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِهِ فَكَأَنَّ مَعْنَى مَنْ قَرَأَ {يُضَاعَفْ} [الأحزاب: 30] عِنْدَهُ كَانَ أَنَّ عَذَابَهَا ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ عَذَابِ غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ مِنْ غَيْرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلِذَلِكَ اخْتَارَ (يُضَعَّفْ) عَلَى {يُضَاعَفْ} [الأحزاب: 30] . وَأَنْكَرَ الْآخَرُونَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ {يُضَاعَفْ} [الأحزاب: 30] مَا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ، وَيَقُولُونَ: لَا نَعْلَمُ بَيْنَ يُضَاعَفْ وَيُضَعَّفْ فَرَقًا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَذَلِكَ {يُضَاعَفُ} [البقرة: 261] وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَمْرٍو، فَتَأْوِيلٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ادَّعَاهُ غَيْرُهُ، وَغَيْرُ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَلَا يَجُوزُ خِلَافَ مَا جَاءَتْ بِهِ الْحُجَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ لَا بُرْهَانَ لَهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ.
§وَقَوْلُهُ: {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 30] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَتْ مُضَاعَفَةُ الْعَذَابِ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الصفحة 91