كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 20)

مَنَاصٍ} [ص: 3] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَثِيرًا أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ كَذَّبُوا رَسُولَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِنَا مِنَ الْحَقِّ {مِنْ قَرْنٍ} [الأنعام: 6] يَعْنِي: مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَهُمْ فِي تَكْذِيبِ رُسُلِهِمْ فِيمَا أَتَوْهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ {فَنَادَوْا} [ص: 3] يَقُولُ: فَعُجُّوا إِلَى رَبِّهِمْ وَضَجُّوا وَاسْتَغَاثُوا بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ، حِينَ نَزَلَ بِهِمْ بَأْسُ اللَّهِ وَعَايَنُوا بِهِ عَذَابَهُ فِرَارًا مِنْ عِقَابِهِ، وَهَرَبًا مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص: 3] يَقُولُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ حِينَ فِرَارٍ وَلَا هَرَبٍ مِنَ الْعَذَابِ بِالتَّوْبَةِ، وَقَدْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ، وَتَابُوا حِينَ لَا تَنْفَعُهُمُ التَّوْبَةُ، وَاسْتَقَالُوا فِي غَيْرِ وَقْتِ الْإِقَالَةِ وَقَوْلُهُ: {مَنَاصٍ} [ص: 3] مَفْعَلٍ مِنَ النَّوَصِ، وَالنَّوَصُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: التَّأَخُّرُ، وَالْمَنَاصُ: الْمَفَرُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
[البحر الطويل]
أَمِنْ ذِكْرِ سَلْمَى إِذْ نَأَتْكَ تَنُوصُ ... فَتَقْصِرُ عَنْهَا خُطْوَةً وَتَبُوصُ
يَقُولُ: أَوْ تَقَدَّمٌ، يُقَالُ مِنْ ذَلِكَ: نَاصَنِي فُلَانٌ: إِذَا ذَهَبَ عَنْكَ، وَبَاصَنِي: إِذَا سَبَقَكَ، وَنَاضَ فِي الْبِلَادِ: إِذَا ذَهَبَ فِيهَا، بِالضَّادِ وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الْعُقَيْلِيَّ أَنْشَدُهُ:
[البحر الطويل]
إِذَا عَاشَ إِسْحَاقُ وَشَيْخُهُ لَمْ أُبَلْ ... فَقِيدًا وَلَمْ يَصْعُبْ عَلَيَّ مَنَاضُ
وَلَوْ أَشْرَفَتْ مِنْ كِفِّةِ السِّتْرِ عَاطِلًا ... لَقُلْتُ غَزَالٌ مَا عَلَيْهِ خُضَاضُ
وَالْخُضَاضُ: الْحُلِيُّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ

الصفحة 12