كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 20)

فَيَجُوزُ تَوْجِيهُ قَوْلِهِ: {وَلَاتَ حِينَ} [ص: 3] إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهَا تَسْتَعْمِلُ الْكَلِمَةَ فِي مَوْضِعٍ، ثُمَّ تَسْتَعْمِلُهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَبْعَدَ فِي الْقِيَاسِ مِنَ الصِّحَّةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَأَيْتُ بِالْهَمْزِ، ثُمَّ قَالُوا: فَأَنَا أُرَاهُ بِتَرْكِ الْهَمْزِ لِمَا جَرَى بِهِ اسْتِعْمَالُهُمْ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْحُرُوفِ الَّتِي تَأْتِي فِي مَوْضِعٍ عَلَى صُورَةٍ، ثُمَّ تَأْتِي بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرِ لِلْجَارِي مِنَ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ ذَلِكَ بَيْنَهَا. وَأَمَّا مَا اسْتُشْهِدَ بِهِ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ: وَكَمَا زَعَمْتِ تَلَانَا، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْهُ غَلَطٌ فِي تَأْوِيلِ الْكَلِمَةِ؛ وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّاعِرُ بِقَوْلِهِ:
[البحر الكامل]
وَصَلَّيْنَا كَمَا زَعَمْتِ تَلَانَا ... وَصَلَّيْنَا كَمَا زَعَمْتِ أَنْتِ الْآنَ،
فَأَسْقَطَ الْهَمْزَةَ مِنْ أَنْتِ، فَلَقِيَتِ التَّاءُ مِنْ زَعَمَتِ النُّونَ مِنْ أَنْتِ وَهِيَ سَاكِنَةٌ، فَسَقَطَتْ مِنَ اللَّفْظِ، وَبَقِيَتِ التَّاءُ مِنْ أَنْتِ، ثُمَّ حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ مِنَ الْآنَ، فَصَارَتِ الْكَلِمَةُ فِي اللَّفْظِ كَهَيْئَةِ تَلَانِ، وَالتَّاءُ الثَّانِيَةُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مُنْفَصِلَةٌ مِنَ الْآنِ، لِأَنَّهَا تَاءُ أَنْتِ وَأَمَّا زَعْمُهُ أَنَّهُ رَأَى فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْإِمَامُ التَّاءُ مُتَّصِلَةٌ بِحِينٍ، فَإِنَّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ مَصَاحِفُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْصَارِهَا هُوَ الْحُجَّةُ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَالتَّاءُ فِي جَمِيعِهَا مُنْفَصِلَةٌ عَنْ حِينٍ، فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَا أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى الْهَاءِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَاتَ حِينَ} [ص: 3]
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَجَبُوا أَنْ جَاءَهُمُ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَعَجِبَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ أَنْ جَاءَهُمُ مُنْذِرٌ يُنْذِرُهُمْ بَأْسَ اللَّهِ عَلَى كُفْرِهِمْ بِهِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَأْتِهِمْ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِذَلِكَ {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص: 4] يَقُولُ: وَقَالَ الْمُنْكِرُونَ وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ: هَذَا يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ -[18]- وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ

الصفحة 17