كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 20)

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} [يونس: 42] مَنْ قَدْ سَلَبُهُ اللَّهُ اسْتِمَاعَ حُجَجِهِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ فَأَصَمَّهُ عَنْهُ، أَوْ تَهْدِي إِلَى طَرِيقِ الْهُدَى مَنْ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ عَنْ إِبْصَارِهِ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، فَزَيَّنَ لَهُ الرَّدَى {وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الزخرف: 40] يَقُولُ: أَوْ تَهْدِي مَنْ كَانَ فِي جَوْرٍ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، سَالِكٌ غَيْرَ سَبِيلِ الْحَقِّ، قَدْ أَبَانَ ضَلَالَهُ أَنَّهُ عَنِ الْحَقِّ زَائِلٌ، وَعَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ جَائِرٌ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْكَ، إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ الَّذِي بِيَدِهِ صَرْفُ قُلُوبِ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ، وَإِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ، فَبَلَغَهُمُ النِّذَارَةُ
§وَقَوْلُهُ: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} [الزخرف: 41] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّينَ بِهَذَا الْوَعِيدِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ مِنْ أُمَّةِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {§فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} [الزخرف: 41] قَالَ: «لَقَدْ كَانَتْ بَعْدَ نَبِيِّ اللَّهِ نِقْمَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأَكْرَمَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُ فِي أُمَّتِهِ مَا كَانَ مِنَ النِّقْمَةِ بَعْدَهُ»
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {§فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} [الزخرف: 41] «فَذَهَبَ اللَّهُ بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَرَ فِي أُمَّتِهِ إِلَّا الَّذِي تَقَرُّ بِهِ عَيْنُهُ، وَأَبْقَى اللَّهُ النِّقْمَةَ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَأَى فِي أُمَّتِهِ الْعُقُوبَةَ، أَوْ قَالَ مَا لَا يَشْتَهِي. ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ الَّذِي لَقِيَتْ أُمَّتُهُ بَعْدَهُ، فَمَا زَالَ مُنْقَبِضًا مَا انْبَسَطَ ضَاحِكًا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى»
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: تَلَا قَتَادَةُ {§فَإِمَّا -[601]- نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} [الزخرف: 41] فَقَالَ: " ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَقِيَتِ النِّقْمَةُ، وَلَمْ يُرِ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ حَتَّى مَضَى، وَلَمْ يَكُنْ نَبِيُّ قَطُّ إِلَّا رَأَى الْعُقُوبَةَ فِي أُمَّتِهِ، إِلَّا نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ مَا يُصِيبُ أُمَّتَهُ بَعْدَهُ، فَمَا رُئِيَ ضَاحِكًا مُنْبَسِطًا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ " وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهِ أَهْلَ الشِّرْكِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَالُوا: قَدْ أَرَى اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِمْ

الصفحة 600