كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 20)
فِي قَوْلِهِ: وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُو قُرَيْشٌ وَسَائِرُ الْعَرَبِ مِنْ دُونِ اللَّهِ الشَّفَاعَةَ عِنْدَ اللَّهِ ثُمَّ اسْتَثْنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَهُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ شَهَادَةَ الْحَقِّ فَيُوَحِّدُونَ اللَّهَ، وَيُخْلِصُونَ لَهُ الْوَحْدَانِيَّةَ، عَلَى عِلْمٍ مِنْهُمْ وَيَقِينٍ بِذَلِكَ، أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ عِنْدَهُ بِإِذْنِهِ لَهُمْ بِهَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] فَأَثْبَتَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمَلَائِكَةِ وَعِيسَى وَعُزَيْرٍ مِلْكَهُمْ مِنَ الشَّفَاعَةِ مَا نَفَاهُ عَنِ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ بِاسْتِثْنَائِهِ الَّذِي اسْتَثَنَاهُ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مِنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَئِنْ سَأَلْتَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمَكَ: مَنْ خَلَقَهُمْ؟ لَيَقُولُنَّ: اللَّهُ خَلَقَنَا {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: 61] فَأَيَّ وَجْهٍ يُصْرَفُونَ عَنْ عِبَادَةِ الَّذِي خَلَقَهُمْ، وَيُحْرَمُونَ إِصَابَةَ الْحَقِّ فِي عِبَادَتِهِ
§وَقَوْلُهُ: {وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ} اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {وَقِيلِهِ} [الزخرف: 88] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ: (وَقِيلَهُ) بِالنَّصْبِ وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ ذَلِكَ، كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي التَّأْوِيلِ: أَحَدُهُمَا الْعَطْفُ عَلَى قَوْلِهِ: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} [الزخرف: 80] وَنَسْمَعُ قَيْلَهُ يَا رَبِّ وَالثَّانِي: أَنْ يُضْمَرَ لَهُ نَاصِبٌ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ: وَقَالَ قَوْلَهُ: {يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ} وَشَكَا مُحَمَّدٌ شَكْوَاهُ إِلَى رَبِّهِ وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ
الصفحة 663