كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

§وَقَوْلُهُ: {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ لِآلِهَتِكُمُ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا أَيُّهَا النَّاسُ، شِرْكٌ مَعَ اللَّهِ فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، فَيَكُونُ لَكُمْ أَيْضًا بِذَلِكَ حُجَّةٌ فِي عِبَادَتِكُمُوهَا، فَإِنَّ مِنْ حُجَّتِي عَلَى إِفْرَادِي الْعِبَادَةَ لِرَبِّي، أَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي خَلْقِهَا، وَأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِخَلْقِهَا دُونَ كُلِّ مَا سِوَاهُ
§وَقَوْلُهُ: {ائْتَونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا} [الأحقاف: 4] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: بِكِتَابٍ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيَّ، بِأَنَّ مَا تَعْبُدُونَ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ شَيْئًا، أَوْ أَنَّ لَهُمُ مَعَ اللَّهِ شِرْكًا فِي السَّمَاوَاتِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً لَكُمْ عَلَى عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهَا؛ لِأَنَّهَا إِذَا صَحَّ لَهَا ذَلِكَ صَحَّتْ لَهَا الشَّرِكَةُ فِي النِّعَمِ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا، وَوَجَبَ لَهَا عَلَيْكُمُ الشُّكْرُ، وَاسْتَحَقَّتْ مِنْكُمُ الْخِدْمَةَ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَخْلُقَهُ إِلَّا اللَّهُ
§وَقَوْلُهُ: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [الأحقاف: 4] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [الأحقاف: 4] بِالْأَلْفِ، بِمَعْنَى: أَوْ ائْتُونِي بِبَقِيَّةٍ مِنْ عِلْمٍ وَرُوِي عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهُ (أَوْ أَثَرَةٍ مِنْ عِلْمٍ) بِمَعْنَى: أَوْ خَاصَّةٍ مِنْ عِلْمٍ أُوتِيتُمُوهُ، وَأُوثِرْتُمْ بِهِ عَلَى غَيْرِكُمْ، -[113]- وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ غَيْرَهَا {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [الأحقاف: 4] بِالْأَلْفِ، لِإِجْمَاعِ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَيْهَا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَوِ ائْتُونِي بِعِلْمٍ بِأَنَّ آلِهَتَكُمْ خَلَقَتْ مِنَ الْأَرْضِ شَيْئًا، وَأَنَّ لَهَا شِرْكًا فِي السَّمَاوَاتِ مِنْ قِبَلِ الْخَطِّ الَّذِي تَخُطُّونَهُ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَهْلُ عِيَافَةٍ وَزَجْرٍ وَكَهَانَةٍ

الصفحة 112