كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

وَتَرْكِهِمْ عِبَادَةِ مَنْ جَمِيعُ مَا بِهِمْ مِنْ نِعْمَتِهِ، وَمَنْ بِهِ اسْتِغَاثَتِهِمْ عِنْدَمَا يَنْزِلُ بِهِمْ مِنَ الْحَوَائِجِ وَالْمَصَائِبِ وَقِيلَ: مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ، فَأَخْرَجَ ذِكْرَ الْآلِهَةِ وَهِيَ جَمَادٌ مَخْرَجَ ذِكْرِ بَنِي آدَمَ، وَمَنْ لَهُ الِاخْتِيَارُ وَالتَّمْيِيزُ، إِذْ كَانَتْ قَدْ مَثَّلَتْهَا عَبَدَتُهَا بِالْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ الَّتِي تَخْدُمُ فِي خِدْمَتِهِمْ إِيَّاهَا، فَأَجْرَى الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا كَانَ جَارِيًا فِيهِ عِنْدَهُمْ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الأحقاف: 7] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا جُمِعَ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَوْقِفِ الْحِسَابِ، كَانَتْ هَذِهِ الْآلِهَةُ الَّتِي يَدْعُونَهَا فِي الدُّنْيَا لَهُمْ أَعْدَاءً، لِأَنَّهُمْ يَتَبَرَّءُونَ مِنْهُمْ {وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 6] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَتْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا فِي الدُّنْيَا بِعِبَادَتِهِمْ جَاحِدِينَ، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَا أَمَرْنَاهُمْ بِعِبَادَتِنَا، وَلَا شَعَرْنَا بِعِبَادَتِهِمْ إِيَّانَا، تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مِنْهُمْ يَا رَبَّنَا
§وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} [يونس: 15] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا يُقْرَأُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ آيَاتِنَا، يَعْنِي حُجَجَنَا الَّتِي احْتَجَجْنَاهَا عَلَيْهِمْ، فِيمَا أَنْزَلْنَاهُ مِنْ كِتَابِنَا عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {بَيِّنَاتٍ} [البقرة: 99] يَعْنِي وَاضِحَاتٍ نَيِّرَاتٍ {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} [الأحقاف: 7] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ الَّذِينَ جَحَدُوا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ، وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَأَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [النمل: 13] يَعْنُونَ هَذَا الْقُرْآنَ خِدَاعٌ يَخْدَعُنَا، وَيَأْخُذُ بِقُلُوبِ مَنْ سَمِعَهُ فِعْلَ السَّحَرِ مُبِينٌ: يَقُولُ: يَبِينُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ مِمَّنْ سَمِعَهُ أَنَّهُ سِحْرٌ مُبِينٌ

الصفحة 117