كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: نُصِبَ اللِّسَانُ وَالْعَرَبِيُّ، لِأَنَّهُ مِنْ صِفَةِ الْكِتَابِ، فَانْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ، أَوْ عَلَى فِعْلٍ مُضْمَرٍ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَعْنِي لِسَانًا عَرَبِيًّا قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى مُصَدِّقٍ جَعَلَ الْكِتَابَ مُصَدِّقَ اللِّسَانِ، فَعَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ اللِّسَانَ نَصْبًا عَلَى الْحَالِ، وَجَعَلَهُ مِنْ صِفَةِ الْكِتَابِ، يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ، وَهَذَا كِتَابٌ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُصَدِّقُ التَّوْرَاةِ كِتَابِ مُوسَى، بِأَنَّ مُحَمَّدًا لِلَّهِ رَسُولٌ، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَقٌّ وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ بَعْضُهُمْ، أَنَّهُ جَعَلَ النَّاصِبَ لِلِّسَانِ مُصَدِّقٌ، فَقَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ إِذَا يُؤَوَّلُ كَذَلِكَ إِلَى أَنَّ الَّذِي يُصَدِّقُ الْقُرْآنَ نَفْسُهُ، وَلَا مَعْنَى لِأَنَّ يُقَالَ: وَهَذَا كِتَابٌ يُصَدِّقُ نَفْسَهُ، لِأَنَّ اللِّسَانَ الْعَرَبِيَّ هُوَ هَذَا الْكِتَابُ، إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ اللِّسَانُ الْعَرَبِيُّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَيُوَجَّهُ تَأْوِيلُهُ إِلَى: وَهَذَا كِتَابٌ وَهُوَ الْقُرْآنُ يُصَدِّقُ مُحَمَّدًا، وَهُوَ اللِّسَانُ الْعَرَبِيُّ، فَيَكُونُ ذَلِكَ وَجْهًا مِنَ التَّأْوِيلِ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: قَوْلُهُ: {لِسَانًا عَرَبِيًّا} [الأحقاف: 12] مِنْ نَعْتِ الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا نُصِبَ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ: وَهَذَا كِتَابٌ يُصَدِّقُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ لِسَانًا عَرَبِيًّا، فَخَرَجَ لِسَانًا عَرَبِيًّا مِنْ يُصَدِّقُ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ، كَمَا تَقُولُ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ يَقُومُ مُحْسِنًا، وَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ قَائِمٍ مُحْسِنًا، قَالَ: وَلَوْ رُفِعَ لِسَانٌ عَرَبِيُّ جَازَ عَلَى النَّعْتِ لِلْكِتَابِ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِسَانًا عَرَبِيًّا» فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَتَوَجَّهُ النَّصَبُ فِي قَوْلِهِ: {لِسَانًا عَرَبِيًّا} [الأحقاف: 12] مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَلَى مَا بَيَّنْتُ مِنْ أَنْ يَكُونَ اللِّسَانُ خَارِجًا مِنْ قَوْلِهِ {مُصَدِّقٌ} [البقرة: 89] وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ قَطْعًا مِنَ الْهَاءِ الَّتِي فِي بَيْنَ يَدَيْهِ

الصفحة 134