كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

لَا تَرَى أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ إِلَّا مَسَاكِنَهُمْ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ {لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: 25] بِالْيَاءِ فِي {يُرَى} [البقرة: 165] وَرَفْعِ الْمَسَاكِنِ، بِمَعْنَى مَا وَصَفْتُ قَبْلُ أَنَّهُ لَا يُرَى فِي بِلَادِهِمْ شَيْءٌ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ وَرَوَى الْحَسَنُ الْبُصْرَى (لَا تُرَى) بِالتَّاءِ، وَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْتُ مِنْ قِرَاءَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ قَرَأَ ذَلِكَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ بِرَفْعِ الْمَسَاكِنِ إِذَا قُرِئَ قَوْلُهُ {يُرَى} [البقرة: 165] بِالْيَاءِ وَضَمِّهَا. وَبِنَصْبِ الْمَسَاكِنِ إِذَا قُرِئَ قَوْلُهُ: (تَرَى) بِالتَّاءِ وَفَتْحِهَا، وَأَمَّا الَّتِي حَكَيْتُ عَنِ الْحَسَنِ فَهِيَ قَبِيحَةٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ جَائِزَةً، وَإِنَّمَا قَبُحَتْ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُذَكِّرُ الْأَفْعَالَ الَّتِي قَبْلَ إِلَّا، وَإِنْ كَانَتِ الْأَسْمَاءُ الَّتِي بَعْدَهَا أَسْمَاءَ إِنَاثٍ، فَتَقُولُ: مَا قَامَ إِلَّا أُخْتُكَ، مَا جَاءَنِي إِلَّا جَارِيَتُكَ، وَلَا يَكَادُونَ يَقُولُونَ: مَا جَاءَتْنِي إِلَّا جَارِيَتُكَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَحْذُوفَ قَبْلَ إِلَّا أَحَدٌ، أَوْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَشَيْءٌ يُذَكِّرُ فِعْلَهُمَا الْعَرَبُ، وَإِنْ عُنِيَ بِهِمَا الْمُؤَنَّثُ، فَتَقُولُ: إِنْ جَاءَكَ مِنْهُنَّ أَحَدٌ فَأَكْرِمْهُ، وَلَا يَقُولُونَ: إِنَّ جَاءَتْكَ، وَكَانَ الْفَرَّاءُ يُجِيزُهَا عَلَى الِاسْتِكْرَاهِ، وَيُذْكَرُ أَنَّ الْمُفَضَّلَ أَنْشَدَهُ:
وَنَارُنَا لَمْ تُرَ نَارًا مِثْلُهَا ... قَدْ عَلِمَتْ ذَاكَ مَعَدٌّ أَكْرَمَا
فَأَنَّثَ فِعْلَ مِثْلُ لِأَنَّهُ لِلنَّارٍ، قَالَ: وَأَجْوَدُ الْكَلَامِ أَنْ تَقُولَ: مَا رُؤِيَ مِثْلُهَا
§وَقَوْلُهُ: {كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [يونس: 13] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا جَزَيْنَا عَادًا بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ مِنَ الْعِقَابِ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابِنَا، كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ مِنْ خَلْقِنَا، إِذْ تَمَادَوْا فِي غَيِّهِمْ وَطَغَوْا عَلَى رَبِّهِمْ

الصفحة 159