كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

تُبْتُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، وَأَنَبْتُمْ مِنْ كُفْرِكُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِدَاعِيهِ
§وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ} [الأحقاف: 32] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ لِقَوْمِهِمْ: وَمَنْ لَا يُجِبْ أَيُّهَا الْقَوْمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا، وَدَاعِيَهُ إِلَى مَا بَعَثَهُ بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ {فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ} [الأحقاف: 32] يَقُولُ: فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ رَبَّهُ بِهَرَبِهِ، إِذَا أَرَادَ عُقُوبَتَهُ عَلَى تَكْذِيبِهِ دَاعِيَهُ، وَتَرْكِهِ تَصْدِيقَهُ وَإِنْ ذَهَبَ فِي الْأَرْضِ هَارِبًا، لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ فَهُوَ فِي سُلْطَانِهِ وَقَبْضَتِهِ {وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ} [الأحقاف: 32] يَقُولُ: وَلَيْسَ لِمَنْ لَمْ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ مِنْ دُونِ رَبِّهِ نُصَرَاءُ يَنْصُرُونَهُ مِنَ اللَّهِ إِذَا عَاقَبَهُ رَبُّهُ عَلَى كُفْرِهِ بِهِ وَتَكْذِيبِهِ دَاعِيَهُ
§وَقَوْلُهُ: {أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الزمر: 22] يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يُجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ فَيُصَدِّقُوا بِهِ، وَبِمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ فِي جَوْرٍ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، وَأَخْذٍ عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ {مُبِينٍ} [البقرة: 168] يَقُولُ: يَبِينُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ أَنَّهُ ضَلَالٌ وَأَخْذٌ عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَلَمْ يَنْظُرْ هَؤُلَاءِ الْمُنْكِرُونَ إِحْيَاءَ اللَّهِ خَلْقَهُ مِنْ بَعْدِ وَفَاتِهِمْ وَبَعْثِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ بَعْدَ بَلَائِهِمْ، الْقَائِلُونَ لِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ {أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} [الأحقاف: 17] فَلَمْ يَبْعَثُوا بِأَبْصَارِ قُلُوبِهِمْ، فَيَرَوْا وَيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضَ، فَابْتَدَعَهُنَّ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، وَلَمْ يَعْيَ بِإِنْشَائِهِنَّ، فَيَعْجِزُ عَنِ اخْتِرَاعِهِنَّ وَإِحْدَاثِهِنَّ {بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ

الصفحة 173