كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

لَا تَعْجَلْ بِمَسْأَلَتِكَ رَبَّكَ ذَلِكَ لَهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ نَازِلٌ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ} [الأحقاف: 35] يَقُولُ: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ عَذَابَ اللَّهِ الَّذِي يَعِدُهُمْ أَنَّهُ مُنَزِّلُهُ بِهِمْ، لَمْ يَلْبَثُوا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ؛ لِأَنَّهُ يُنْسِيهِمْ شِدَّةُ مَا يَنْزِلُ بِهِمْ مِنْ عَذَابِهِ، قَدْرَ مَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا لَبِثُوا، وَمَبْلَغَ مَا فِيهَا مَكَثُوا مِنَ السِّنِينَ وَالشُّهُورِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثَنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون: 113] وَقَوْلُهُ: {بَلَاغٌ} [إبراهيم: 52] فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارِ ذَلِكَ لَبِثَ بَلَاغٌ، بِمَعْنَى: ذَلِكَ بَلَاغٌ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَجَلِهِمْ، ثُمَّ حُذِفَتْ ذَلِكَ لَبِثَ، وَهِيَ مُرَادَةٌ فِي الْكَلَامِ اكْتِفَاءً بِدِلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: هَذَا الْقُرْآنُ وَالتَّذْكِيرُ بَلَاغٌ لَهُمْ وَكِفَايَةٌ، إِنْ فَكَّرُوا وَاعْتَبَرُوا فَتَذَكَّرُوا
§وَقَوْلُهُ: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف: 35] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَهَلْ يُهْلِكُ اللَّهُ بِعَذَابِهِ إِذَا أَنْزَلَهُ إِلَّا الْقَوْمَ الَّذِينَ خَالَفُوا أَمْرَهُ، وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَتِهِ وَكَفَرُوا بِهِ وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا يُهْلِكُ اللَّهُ إِلَّا الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {§فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف: 35] «تَعَلَّمُوا مَا يَهْلِكُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا هَالِكٌ وَلَّى الْإِسْلَامَ ظَهْرَهُ أَوْ مُنَافِقٌ صَدَّقَ بِلِسَانِهِ وَخَالَفَ بِعَمَلِهِ» ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «أَيُّمَا -[179]- عَبْدٍ مِنْ أُمَّتِي هَمَّ بِحَسَنَةٍ كُتِبَتْ لَهُ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَيُّمَا عَبْدٍ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةٌ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ كَانَ يَتْبَعُهَا، وَيَمْحُوهَا اللَّهُ وَلَا يَهْلِكُ إِلَّا هَالِكٌ»

الصفحة 178