كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {§وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 8] قَالَ: " الضَّلَالَةُ الَّتِي أَضَلَّهُمُ اللَّهُ لَمْ يَهْدِهِمْ كَمَا هَدَى الْآخَرِينَ، فَإِنَّ الضَّلَالَةَ الَّتِي أَخْبَرَكَ اللَّهُ: يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ " قَالَ: «وَهَؤُلَاءِ مِمَّنْ جَعَلَ عَمَلَهُ ضَلَالًا» وَرَدَّ قَوْلَهُ: {وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 8] عَلَى قَوْلِهِ: {فَتَعْسًا لَهُمْ} [محمد: 8] وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ، وَالتَّعْسُ اسْمٌ، لِأَنَّ التَّعْسَ وَإِنْ كَانَ اسْمًا فَفِي مَعْنَى الْفِعْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الدُّعَاءِ، فَهُوَ بِمَعْنَى: أَتْعَسَهُمُ اللَّهُ، فَلِذَلِكَ صَلُحَ رَدُّ أَضَلَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَجْرِي مَجْرَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [محمد: 4] مَرْدُودَةٌ عَلَى أَمْرٍ مُضْمَرٍ نَاصِبٍ لِضَرْبَ
§وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [محمد: 9] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي فَعَلْنَا بِهِمْ مِنَ الْإِتْعَاسِ وَإِضْلَالِ الْأَعْمَالِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كَرِهُوا كِتَابَنَا الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَخِطُوهُ، فَكَذَّبُوا بِهِ، وَقَالُوا: هُوَ سِحْرٌ مُبِينٌ
§وَقَوْلُهُ: {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 9] يَقُولُ: فَأَبْطَلَ أَعْمَالَهُمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ عِبَادَتُهُمُ الْآلِهَةَ، لَمْ يَنْفَعْهُمُ اللَّهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، بَلْ أَوْبَقَهُمْ بِهَا، فَأَصْلَاهُمْ سَعِيرًا، وَهَذَا حُكْمُ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ فِي جَمِيعِ مَنْ كَفَرَ بِهِ مِنْ -[195]- أَجْنَاسِ الْأُمَمِ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ

الصفحة 194