كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: صِفَةُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَهَا الْمُتَّقُونِ، وَهُمُ الَّذِينَ اتَّقَوْا فِي الدُّنْيَا عِقَابَهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: 15] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْجَنَّةِ الَّتِي: ذَكَرَهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ مُتَغَيِّرِ الرِّيحِ، يُقَالُ مِنْهُ: قَدْ أَسِنَ مَاءُ هَذِهِ الْبِئْرِ: إِذَا تَغَيَّرَتْ رِيحُ مَائِهَا فَأَنْتَنَتْ، فَهُوَ يَأْسَنُ أَسَنًا، وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَصَابَتْهُ رِيحٌ مُنْتِنَةٌ: قَدْ أَسِنَ فَهُوَ يَأْسَنُ وَأَمَّا إِذَا أَجَنَ الْمَاءُ وَتَغَيَّرَ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: أَسِنَ فَهُوَ يَأْسَنُ، وَيَأْسِنُ أُسُونًا، وَمَاءٌ آسِنٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: 15] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {§فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: 15] يَقُولُ: «غَيْرِ مُتَغَيِّرٍ»
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {§أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: 15] قَالَ: «مِنْ مَاءٍ غَيْرِ مُنْتِنٍ»
حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا إِسْحَاقَ عَنْ {مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: 15] قَالَ: سَأَلْتُ عَنْهَا الْحَارِثَ، فَحَدَّثَنِي أَنَّ " §الْمَاءَ الَّذِي غَيْرُ آسِنٍ تَسْنِيمٌ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَا تَمَسُّهُ يَدٌ، وَأَنَّهُ يَجِيءُ الْمَاءُ هَكَذَا حَتَّى يَدْخُلَ فِي فِيهِ "
§وَقَوْلُهُ: {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد: 15] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَفِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ -[201]- لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْلَبْ مِنْ حَيَوَانِ فَيَتَغَيَّرُ طَعْمُهُ بِالْخُرُوجِ مِنَ الضُّرُوعِ، وَلَكِنَّهُ خَلَقَهُ اللَّهُ ابْتِدَاءً فِي الْأَنْهَارِ، فَهُوَ بِهَيْئَتِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَمَّا خَلَقَهُ عَلَيْهِ

الصفحة 200