كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

§وَقَوْلُهُ: {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد: 15] يَقُولُ: وَفِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ يَلْتَذُّونَ بِشُرْبِهَا
كَمَا: حَدَّثَنِي عِيسَى، قَالَ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثَنَا مُصْعَبٌ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَنْهَا الْحَارِثَ، فَقَالَ: «§لَمْ تَدُسُّهْ الْمَجُوسُ، وَلَمْ يَنْفُخْ فِيهِ الشَّيْطَانُ، وَلَمْ تُؤْذِهَا شَمْسٌ، وَلَكِنَّهَا فَوْحَاءُ» قَالَ: قُلْتُ لِعِكْرِمَةَ: مَا الْفَوْحَاءُ؟ قَالَ: الصَّفْرَاءُ
وَكَمَا: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {§مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد: 15] قَالَ: لَمْ يُحْلَبْ " وَخُفِضَتِ اللَّذَّةُ عَلَى النَّعْتِ لِلْخَمْرٍ، وَلَوْ جَاءَتْ رَفْعًا عَلَى النَّعْتِ لِلْأَنْهَارِ جَازَ، أَوْ نَصْبًا عَلَى يُتَلَذَّذُ بِهَا لَذَّةً، كَمَا يُقَالُ: هَذَا لَكَ هِبَةً كَانَ جَائِزًا؛ فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَلَا أَسْتَجِيزُهَا فِيهَا إِلَّا خَفْضًا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا
§وَقَوْلُهُ: {وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد: 15] يَقُولُ: وَفِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ قَدْ صُفِّيَ مِنَ الْقَذَى، وَمَا يَكُونُ فِي عَسَلِ أَهْلِ الدُّنْيَا قَبْلَ التَّصْفِيَةِ، وَإِنَّمَا أَعْلَمَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ بِوَصْفِهِ ذَلِكَ الْعَسَلَ بِأَنَّهُ مُصَفًى أَنَّهُ خُلِقَ فِي الْأَنْهَارِ ابْتِدَاءً سَائِلًا جَارِيًا سَيْلَ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ الْمَخْلُوقِينَ فِيهَا، فَهُوَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مُصَفًّى، قَدْ صَفَّاهُ اللَّهُ مِنَ الْأَقْذَاءِ الَّتِي تَكُونُ فِي عَسَلِ أَهْلِ الدُّنْيَا الَّذِي لَا يَصْفُو مِنَ الْأَقْذَاءِ إِلَّا بَعْدَ التَّصْفِيَةِ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي شَمْعٍ فَصُفِّيَ مِنْهُ

الصفحة 201