كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

§وَقَوْلُهُ: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} [الطور: 33] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ: تَقَوَّلَ مُحَمَّدٌ هَذَا الْقُرْآنَ وَتَخَلَّقَهُ
§وَقَوْلُهُ: {بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الطور: 33] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: كَذَبُوا فِيمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ فَيُصَدِّقُوا بِالْحَقِّ الَّذِي جَاءَهُمْ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ
§وَقَوْلُهُ: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} [الطور: 34] يَقُولُ: جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَلْيَأْتِ قَائِلُو ذَلِكَ لَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ، فَإِنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْتُوا مِنْ ذَلِكَ بِمِثْلِ الَّذِي أَتَى بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فِي أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقَوَّلَهُ وَتَخَلَّقَهُ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَخُلِقَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، أَيْ مِنْ غَيْرِ آبَاءٍ وَلَا أَمْهَاتٍ، فَهُمْ كَالْجَمَادِ، لَا يَعْقِلُونَ وَلَا يَفْهَمُونَ لِلَّهِ حُجَّةً، وَلَا يَعْتَبِرُونَ لَهُ بِعِبْرَةٍ، وَلَا يَتَّعِظُونَ بِمَوْعِظَةٍ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَمْ خُلِقُوا لِغَيْرِ شَيْءٍ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، بِمَعْنَى: لِغَيْرِ شَيْءٍ
§وَقَوْلُهُ: {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] يَقُولُ: أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ هَذَا الْخَلْقَ، فَهُمْ لِذَلِكَ لَا يَأْتَمِرُونَ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَلَا يَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ، لِأَنَّ لِلْخَالِقِ الْأَمْرَ وَالنَّهْي {أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ} يَقُولُ: أَخَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَيَكُونُوا هُمُ الْخَالِقِينَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: لَمْ يَخْلُقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ {بَلْ لَا يُوقِنُونَ} [الطور: 36] يَقُولُ: لَمْ يَتْرُكُوا أَنْ يَأْتَمِرُوا لِأَمْرِ رَبِّهِمْ، وَيَنْتَهُوا إِلَى طَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ -[597]- وَنَهَى، لِأَنَّهُمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَكَانُوا بِذَلِكَ أَرْبَابًا، وَلَكِنَّهُمْ فَعَلُوا، لِأَنَّهُمْ لَا يُوقِنُونَ بِوَعِيدِ اللَّهِ وَمَا أَعَدَّ لِأَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ

الصفحة 596