كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {§وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] قَالَ: «إِذَا قَامَ لِصَلَاةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» وَقَرَأَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] قَالَ: «مِنْ نَوْمٍ» ذَكَرَهُ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ فَقُلْ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، {§وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] قَالَ: " إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ "
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {§وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] «إِلَى الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَصَلِّ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ مِنْ مَنَامِكَ، وَذَلِكَ نَوْمُ الْقَائِلَةِ، وَإِنَّمَا عَنَى صَلَاةَ الظُّهْرِ -[607]- وَإِنَّمَا قُلْتُ هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الْجَمِيعَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ أَنْ يُقَالَ فِي الصَّلَاةِ: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، وَمَا رُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ، فَلَوْ كَانَ الْقَوْلُ كَمَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ لَكَانَ فَرْضًا أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [الطور: 48] أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّسْبِيحِ، وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ غَيْرَ الَّذِي قَالَهُ الضَّحَّاكُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَلَعَلَّهُ أُرِيدَ بِهِ النَّدْبُ وَالْإِرْشَادُ قِيلَ: لَا دِلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ تَقُمْ حُجَّةٌ بِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنِيُّ بِهِ مَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ، فَيُجْعَلُ إِجْمَاعُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ التَّسْبِيحَ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ مِمَّا خُيِّرَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ دَلِيلًا لَنَا عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ النَّدْبُ وَالْإِرْشَادُ وَإِنَّمَا قُلْنَا: عَنَى بِهِ الْقِيَامَ مِنْ نَوْمِ الْقَائِلَةِ، لِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ تَجِبُ فَرْضًا بَعْدَ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ نَوْمِ النَّاسِ الْمَعْرُوفِ إِلَّا بَعْدَ نَوْمِ اللَّيْلِ، وَذَلِكَ صَلَاةُ الْفَجْرِ، أَوْ بَعْدَ نَوْمِ الْقَائِلَةِ، وَذَلِكَ صَلَاةُ الظُّهْرِ؛ فَلَمَّا أَمَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] بِالتَّسْبِيحِ بَعْدَ إِدْبَارِ النُّجُومِ، وَذَلِكَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ بَعْدَ قِيَامِ النَّاسِ مِنْ نَوْمِهَا لَيْلًا، عُلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّسْبِيحِ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ هُوَ أَمْرٌ بِالصَّلَاةِ الَّتِي تَجِبُ بَعْدَ قِيَامٍ مِنْ نَوْمِ الْقَائِلَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا دُونَ الْقِيَامِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ

الصفحة 606